القيظ ، وعدا ذلك تراني في سويسرة نفسها أقضى الصيف من قنة جبل إلى قنة جبل ، فتارة في القنة السمّاة روشة دونيه فوق مونترو وهي تعلو عن سطح البحر ألفين وخمسين مترا ، وطورا في شتانسر هورن فوق بحيرة لوسرن ، وهي قنة بيضية الشكل ، تعلو عن سطح البحر (١٩٥٠) مترا ، وأحيانا في القمم الشامخة التي تقابلها مثل بيلاتوس المشرفة على لوسرن إشراف المنارة على الجامع ، ومثل ريغي التي يطل منها الرائي على ثماني بحيرات في لمحة واحدة من شفير شاهق.
ومن شدة غرامي بهذه القنن ، التي قد كنت أصادف فيها الثلج أحيانا في شهر أغسطس ـ آب ، أتذكر أنّي تركت قنة غورتن كولم في برن ، وذهبت فانتجعت قنّة شتانسر هورن في لوسرن ، لأنّها أعلى من الأولى ، وأقمت هناك شهرا ، إلى أن جاءني كتاب من سعادة الأخ الشهم الهمام عبد الحميد بك سعيد ـ رئيس جمعية الشبان المسلمين الآن في مصر ـ امتع الله الإسلام بطول حياته ، وكان يسكن في غورتن كولم في الفندق الذي أنا فيه ، فكان يؤنبني في هذا الكتاب على تلك العزلة برأس جبل شتانسر هورن ، ويقول : لا يحلّ لك هذا.
والخلاصة أنّ برودة جو سويسرة كلّها لم تكن تقنعني ، وكنت أنتجع منها الشناخيب ، التي أستيقظ فيها صباحا ، فأرى الأرض التي حولنا بيضاء من الثلج ، وذلك في إبّان فصل القيظ ، وقبل ذلك لما كنت في جبلنا لبنان ، لم تكن عين صوفر ـ وهي في ارتفاع (١٣٥٠) مترا ـ تقنعني وتكفيني ، فطالما قصدت أبهل الباروك (١) ، وتوأمات نيحا ، وهي تعلو (١٨٠٠) متر (٢) وغير ذلك. فكيف بي الآن ، وقد صرت في إقليم
__________________
(١) الأبهل بفتح فسكون شجر الأرز ، وفي جنوبيّ لبنان يقولون أبهل ، وفي شماليه يقولون : أرز ، وكلاهما صحيح ، وهو على ارتفاع ألفي متر ا ه من الأصل.
(٢) سميت توأمات لأنّها عبارة عن قنتين متناوحتين متجاورتين ا ه من الأصل.