لا تكاد المسلّة تدخل في الواحد منها ، فكانت في حكم كأن لم يكن من جهة نفوذ الهواء ، هذا على فرض وجوده (١).
ولما جئت لأضطجع في السرير الوثير ، قيل لي : إنّه لا بدّ من الدخول تحت الكلّة بلباقة عظيمة ، حتى لا يتسنّى للبعوض أن يدخل ورائي ، فإنّ البعوض هناك تجب الوقاية منه ، فكنت أدخل تحت الكلّة وأنا أسترق السمع ، حتى إذا سمعت طنين بعوضة اجتهدت في محوها أو طردها ، وكنت طول الليل كأنّي تحت الحصار ، أحاذر أن تقع مني حركة يرتفع بها شيء من سجوف الكلة ، فيهجم من خلال ذلك البعوض ، وتسوء العاقبة. على أنّ قولي (طول الليل) صورة من صور التعبير ، فإني ما قدرت ولا ليلة أن أبقى تحت ذلك الحصار أكثر من ساعة ، لأنّ السرير ، كان مسدودا بالسجوف السابغة ، والسطح كان مسدودا بالجدران الإسكندرية العالية ، فلم يبق من سطحيته إلا الاسم ، والحر كان شديدا ، وبالاختصار كدت أختنق ، وصبرت إلى أن غرق مضيفي الشاب في لجة الكرى ، ونزلت إلى سطح آخر مفتوح من كلّ الجوانب ، يرقد عليه الخدم بدون أغطية ، ولا سجوف مسدولة ، ولا خشية بعوض ، ولا اتقاء جراثيم ، وقلت في نفسي : ليفعل البعوض ما شاء ، فإنّي تحت تلك الكلة لا أستطيع الغمض ولا دقيقة ، والنوم سلطان لا يغالب ، فلا بدّ من طاعته ، ورحم الله القائل :
إذا لم يكن إلا الأسنة مركبا |
|
فما حيلة المضّطرّ إلا ركوبها |
فوجدت على ذلك السطح خشبة عارية عن الفرش اضطجعت عليها ، وكنت أمشي على رؤوس أصابعي حتى لا يستيقظ أحد ، لا فؤاد حمزة ولا خدمه ، فإنّي لا أحبّ أن أزعج أحدا ، ولا أن أسلب راحة النّاس لأجل راحة نفسي ، على أنّي لو أيقظتهم وأزعجتهم وسلبت
__________________
(١) كذا في الأصل المطبوع في جريدة «الشورى» وهو كما ترى ، ولعلّه قد سقط منه شيء ، وذهل الأمير عنه عند قراءته. [قلت : المعنى تامّ ولا سقط فيه].