مكة ، وقضيت المناسك ، إلا وكنت مريضا جدّ مريض ، ولم يثقل عليّ ذلك ، لأنّ الحج الشريف تطهير وتمحيص ، فرجوت أن يكون المولى سبحانه قد غفر لي ذنوبي الكثيرة ، التي يستحق تمحيصها أكثر من هذه الأوصاب ، والله غفور رحيم (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) [الزمر : ٥٣].
الالتجاء إلى الطائف
ولما اشتدّ بي الضعف ، قلت لإخواني : لا ينقذني مما أنا فيه إلا الطائف ، فأنا أدرى بنفسي ، ومتى نشقت هواء الجبال لم يبق علي خوف ، فتردّد فؤاد بك قليلا ، خشية أن لا يكون قريبا مني ، وأنا على هذه الحال ، فقلت له : إن كنت تحبّني فدعني أصعد إلى الطائف بدون تأخير.
وقد كان هذا رأي سليمان شفيق باشا ، ناظر الحربية في تركية سابقا ، المقيم الآن بخدمة الملك ابن سعود ، فإنّه نهى عن أن أتريّث ساعة واحدة ، ولو لأجل إعطاء التواصي اللازمة لأمير الطائف بترفيه مقامي ، وتوثير مسكني ، ولمّا جيء بالسيارات لأصعد بها إلى الطائف ، شعرت من الفرح بنشاط غريب ممن هو على تلك الحالة ، ونهضت مسرعا أستقبل الحياة من بعد أن كنت على ثنية الهلاك ، فسرنا إلى محطة اسمها الشرائع ، على مسافة ساعتين بالسيارة من مكة.
ومن هناك رجع إلى مكة الإخوان السّراة الأفاضل ، الذين تلطّفوا بوداعنا : الدكتور محمود بك حمدي مدير الصحية ، وفؤاد بك حمزة وكيل الخارجية ، والسيد عبد الوهاب نائب الحرم عضو مجلس الشورى ، وبقي معي الأخ البطل المجاهد الشهير فوزي بك القاوقجي ، والأخ الفاضل الدكتور خيري القباني ، الذي صدرت الإرادة الملوكية بأن يلازمني إلى أن أنال الشفاء ، ونعم الأخ هو ، ونعم الطبيب الفاضل. وليس فيه من عيب سوى قلة الثرثرة والجعجعة ، وعدم إيهام العلم