ولا شكّ في يد الله تعالى في هذا وفي كلّ شيء ، ولكنّ الفرق بين العالم والجاهل هو في معرفة الأسباب المتوسطة ، فالعالم يرى ثمّة الأسباب ، وكلّما ازداد علما طالت معه السلسلة ، فلا يزال يرتقي من سبب إلى سبب ، ومن معلول إلى علة ، حتى يقف حماره في العقبة ، فيقول : لا أدري ، أو يقول : هكذا خلق الله.
وأما الجاهل فإنّه يصل إلى الله رأسا ، ويحذف السلسلة المتوسطة (١).
على أنّ العالم والجاهل مستويان في العجز عن معرفة الكنه.
فهذه الصخور التي في الحجاز لا بدّ من أن تكون لأوضاعها وأشكالها هذه أسباب طبيعية متولّدة عن أسباب سابقة ، والذي يراها أول وهلة يحكم أنّ هذه التجاويف والتقاعير ، وهذه الملوسة ، وهذا التدوّر ، وهذا الترأس ، وغير ذلك ـ إنما هي من عمل الريح والماء في ملايين من السنين. وأنّ هذه الصخور العالية المشرفة المنتصبة على رؤوس أكوام أشبه بالأنصاب ، كأنها التماثيل التي ينحتها البشر بأيديهم ، وينصبونها فوق مكان مرتفع ـ إن هي إلا بقايا صخور كانت كثيرة متلاصقة ، فلم تزل سحب الأمطار الغزيرة تجرف من حولها الأتربة اللازقة بها ، وتخلّ بموازنة بعضها ، فتهوي به من محله ، وتجرّه إلى الوادي ، وتعرّي القائم الباقي منها ، وتجرّده من التراب ، فيصير أملس مع شدة صلابته.
ولقد وجب الآن أن نذكر شيئا عن نظريات العلماء في شأن الصخور فنقول :
__________________
(١) أجدر بمن يعلم سلاسل الأسباب والنظام فيها أن يكون أعلم بكمال خالقها في علمه وحكمته ومشيئته وقدرته.