نفسي بذلك فيما لو زرت الطائف مرّة أخرى.
وبينما نحن نتأمّل في تلك الآثار ، إذ أقبل علينا هنديان كانا سائرين على الطريق السلطاني ، فحادا عنه قاصدين هذا المزار ، وسألانا هل يجوز أن يصليا في ذلك المكان؟ فقلنا لهما : ليس لنا أن نعترضهما في صلاتهما ، إلا أننا لا نعلم لماذا يفضّلان الصلاة في الداخل تحت القبة المهدومة بجانب هذه القبور ـ مع كراهية الصلاة بجانبها ـ على الصلاة في الخارج ، والصلاة هي هي (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥] فقالا : لأنّهما رأيا في الداخل محرابا ، فقلنا لهما : نعم إلا أننا لا نعلم وجها شرعيا يجعل للصلاة عند ذلك المحراب فضيلة ليست للصلاة في الصحراء ، فانصرفا ، ولم يصليا ، ولعلّهما رجعا بعد انصرافنا ، وصليا في داخل المزار ، لا نعلم (١).
وكيف كان الأمر ، فإنّ كثيرا من العوام أو من الخواص أشباه العوام يحبّون الصّلاة بجانب القبور ، وهذا مما ينفر منه السلفيون أشدّ النفور ، وليسوا في هذا بغالطين.
* * *
__________________
(١) يعلم من هذا أنّ الصلاة لأجل المزار ، لا خالصة لله ، فهي شرك بالله ، وقد صرّح بعض فقهاء الحنابلة ببطلان الصّلاة في كلّ مسجد فيه قبر ، وإن لم تكن الصلاة إلى القبر أو لأجله ، لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم نهى عن بناء هذه المساجد ، ولعن فاعليها ، وهو يقتضي بطلان الصّلاة فيها ، واقتضاء النهي للفساد مسألة أصولية معروفة غير خاصّة بالحنابلة مصححه.