فأما الحزامة والضبط فقد روي فيهما عن الحجاج ما لو وقف عند ذلك الحد ، لما انتقده أحد.
قالوا : كان الحجاج وأبوه يعلّمان الصبيان بالطائف ، ثم لحق الحجاج بروح بن زنباع الجذامي وزير عبد الملك بن مروان ، فكان في عداد شرطته ، إلى أن رأى عبد الملك انحلال عسكره ، وأنّ الناس لا يرحلون برحيله ، ولا ينزلون بنزوله ، فشكا ذلك إلى روح بن زنباع ، قال له : إنّ في شرطتي رجلا لو قلّده أمير المؤمنين أمر عسكره لأرحل النّاس برحيله ، وأنزلهم بنزوله ، يقال له : الحجاج بن يوسف ، قال : فإنّا قد قلدناه ذلك ، فكان لا يقدر أحد أن يتخلّف عن الرحيل والنزول إلا أعوان روح بن زنباع ، فوقف عليهم يوما ـ وقد أرحل النّاس ـ على الطعام يأكلون ، فقال لهم : ما منعكم أن ترحلوا برحيل أمير المؤمنين؟ فقالوا له : انزل يا ابن اللخناء فكل معنا ، فقال لهم : هيهات ذهب ذلك ، ثم أمر بهم فجلدوا بالسياط ، وطوّف بهم في العسكر ، وأمر بفساطيط روح فأحرقت بالنّار ، فدخل روح على عبد الملك شاكيا وقال : يا أمير المؤمنين! إنّ الحجاج الذي كان في شرطتي ضرب غلماني ، وأحرق فساطيطي ، قال : عليّ به ، فلما دخل عليه ، قال : ما حملك على ما فعلت؟ قال : أنا ما فعلت ، قال : ومن فعل؟ قال : أنت فعلت ، إنما يدي يدك ، وسوطي سوطك ، وما على أمير المؤمنين أن يخلف لروح عوض الفسطاط فسطاطين ، وعوض الغلام غلامين ، ولا يكسرني فيما قدّمني له ، فمن ذلك الوقت تقدّم الحجاج في منزلته ، ولكن كان ينبغي لهم أن يلزموه من الحزامة والصرامة هذا الحد ، ولا يسمحوا له أن يتجاوزه.
قال الإمام السيوطي في «تاريخ الخلفاء» (١) : لو لم يكن من مساوىء
__________________
(١) [تاريخ الخلفاء : (٢٦٠)].