كان في أقرب محلّ إليه ، وأنّ كلّ ذلك قد نسخ الآن بأحكام ابن سعود ، وصار النّاس يمرّ بعضهم بأرض بعض عزّلا من السلاح ، ولا يخشى أحد منهم مكروها ، وانطوت تلك الثارات والذحول ، كأنها لم تكن ، ولا نظن أن الأعراب ينسون الثارات ، وليس ذلك من طبيعتهم ، ولكنّهم إذا وقعت هيبة السلطان في قلوبهم ، وعرفوا أن ليس عند السلطان إلا العدل وإقامة الحدّ الشرعي بدون هوادة مع أحد ، انقادوا للأحكام انقياد الغنم.
لهذا نجد العمران قد بدأ يرجع (١) إلى الحجاز بشمول الأمن ، واستراحة الفكر ، فالقوافل والسيارات الكهربائية ، ذاهبة جائية ، تخترق الصحارى بالأمنة التي تمرّ بها في شوارع البلد الحرام ، والنّاس بعد أن أمنوا على أموالهم وزروعهم وضروعهم قد نشطوا للعمل ، ووثقوا بالمستقبل ، وإذا مضت عشرون سنة ـ وهذه الحالة لم تتبدّل ، وهذه الأمنة ممتدة الرواق على البلاد كما هي اليوم ـ فإنّ البلاد ستسير شوطا بعيدا في ميدان الفلاح ، ويتضاعف عدد قطينها ، وترتفع أثمان أراضيها ، ويقصد إليها كثيرون من أهل العالم الإسلامي ، الذين يثقل عليهم حكم المستعمرين الأوربيين ، كما كانوا بدأوا يهاجرون إليها قبل الحرب العامة ، مع أنّ أمنة السوابل لم تكن حينئذ كما هي الآن.
ومن الأغلاط المشهورة التي شهرتها لا تمنع كونها غلطا ، الظنّ بأنّ بلاد الحجاز هي من القحولة بحيث لا تتحمّل عددا من السكان يزيد على أهاليها الحاضرين ، وإن زاد فلا يكون إلا قليلا ، وأنّ الحجاز ناشف ، وأنّ الحجاز يابس ، وأنّ الحجاز كثير الححار والحرار ، قليل الرياض والغياض ، غير أريض الأراضي ، إلى غير ذلك من وجوه الاعتراض.
وهذا كلّه من الكلام المرسل بدون تحقيق ، الذي يقوله من لا يعرف
__________________
(١) [في الأصل : يتراجع].