قطع هذا الخط التي في سورية وفلسطين والبلقاء ، وجهلتا ، بل هضمتا حقوق المسلمين الخاصة فيه ـ تقلّص عمران المدينة المنورة ، ونزل عدد سكانها من الخمسين ألفا إلى (١٥) ألفا.
كما أنّ جميع القرى التي كانت على جوانب الخطّ مثل معان ، وتبوك ، ومدائن صالح ، والعلا ، وغيرها قد تراجعت إلى الوراء ، بعد أن كانت السكة قد بدأت تعيد إليها غابر عمارتها.
ولعل التخوّف من عمران الحجاز كان من جملة الأسباب التي حدت بدولتي إنكلترة وفرنسة على المعارضة في تسليم السكة الحديدية الحجازية للمسلمين ، فإنّ هاتين الدولتين اللتين تسلطتا على نحو (١٥٠) مليون مسلم تكرهان أن يكون لهم ملجأ تهوي إلى أفئدتهم ، ويكون معمورا ، وتتوافر فيه أسباب الراحة ، وينتهي الأمر بازدحام السكان فيه ، ولا سيما الحجاز ، ولا سيما الحجاز ، ولا سيما الحجاز.
ولكنّ استئناف عمران الحجاز أمر لا مناص منه ، مهما وضع الأجانب أعداء الإسلام في طريقه من العراقيل والعواثير ، لأنّ المسلمين يأرزون إلى الحجاز من كلّ صوب ، كما تأرز الحيّة إلى وكرها ، وقد كانوا يشتكون قلّة الأمنة في السبل ، فقد أزيحت هذه العلّة بتمامها بفضل الله ، ثم بفضل عبد العزيز بن سعود. وقد كانت تطول عليهم المراحل ، وتتعبهم أكوار الرواحل ، فالآن قامت السيارات الكهربائية مقام الأباعر ، وطوت تلك المسافات الطوال طيّ السجل للكتب ، ولا بدّ من أن يأتي دور السكة الحديدية يوما ، فتكمل من المدينة إلى مكة ، ويمتد خطّ من جدة إلى مكة ، ثم من مكة إلى الطائف.
وإذا كان العرب عربا ساروا به من الطائف إلى أبها إلى صنعاء اليمن إلى عدن. فإنّ الأمة العربية سائرة إلى الوحدة مهما عارض في ذلك اللئام من أعدائها ، والمتفلسفون من أبنائها ، وإنّ هذه الوحدة آتية لا ريب فيها ، ولو بعد مئة سنة أو أكثر.