فالمسلمون لم يتعّودوا أسلوب الشركات في التجارة ، فضلا عن أنّ ثروتهم العامة لا تساعدهم على تأليف هذه الشركات. إلا أنّ المبالغة في كلّ شيء مذمومة ، فلا يجوز أن نظنّ أنّ تأليف الشركات عند المسلمين مستحيل ، ولا أنّ المال معدوم تماما بين أيديهم ، فكلا هذين الافتراضين مخالف للمحسوس.
وفي بلاد الإسلام شركات اقتصادية كثيرة ، ومن المسلمين عدد غفير من ذوي الثروة ، وعدد غفير من ذوي المهارة في الأمور الاقتصادية.
وإذا جربت حكومتا الحجاز واليمن استثمار المعادن التي في هذين القطرين على أيدي متموّلين من المسلمين ، فلا يبدأ هؤلاء بالربح ، ولا يتحقق المسلمون أنّ هذه المشروعات ذات عوايد أكيدة حتى يقبلوا على المساهمة من كلّ صوب ، وتجد من رؤوس الأموال عند المسلمين ما لا يخطر لك على بال ، وذلك لأنّ الربح جلّاب ، وحيث تحقّق وجود الفائدة وجد المال بلا إشكال.
إذن يمكننا أن نستثمر معادن جزيرة العرب برؤوس أموال أصحابها مسلمون ، بل أصحابها مسلمون لا تلي بلدانهم دول غير مسلمة (١) ، وليس بضربة لازب أن نستثمر هذه المناجم كلّها دفعة واحدة ، بل يمكننا أن نستخرج خيراتها تدريجا ، ولكنّ الذي لا يجوز أصلا هو أن نظمأ والماء فوق ظهورنا ، أو أن نشكو مزيد الفقر والمال تحت رحالنا.
ثانيا : إنّ الظنّ الذي يظنه بعضنا أنّ الشروع باستخراج هذه المناجم يفتح أعين الأوربيين على الجزيرة ، لا سيما إذا رأوا الخيرات تدرّ منها ،
__________________
(١) إن تجار العرب في بومباي الهند ـ وأكثرهم من نجد والكويت ـ قد ألّفوا شركة بواخر ، تمخر بين الهند وشط العرب ، زاحموا بها الشركات الإنكليزية ، فزحموها ، ثم كانت الحرب العامة سبب استيلاء الإنكليز عليها بصفة قانونية.