ومن هناك سرنا إلى قرية يقال لها : الأمت ـ (بفتح فسكون) ـ هي أدنى قرى الشفا إلى مدينة الطائف ، لا تبعد عنها أكثر من ثلاث ساعات ، وقد كان مبيتنا بتلك القرية ، وهي قرية في واد تشرف عليه حروف جبال كثيرة الصخور والجنادل ، والأمت بالعربي معناه المكان المرتفع ، ومعناه الروابي الصغار ، ومعناه مسايل الأودية ، ومعنا الوهدة بين نشزين ، ومعناه الانخفاض والارتفاع ، ومنه قوله تعالى : (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) [طه : ١٠٧] أي لا انخفاض فيها ولا ارتفاع. وأصحّ معنى ينطبق على الأمت الذي نحن في صدده مسايل الأودية ، أو الوهدة بين نشزين ، لأنّ القرية هي في مسيل واد ، وهي منحفضة بين نشزين ، ويجوز أن يكون من باب الانخفاض والارتفاع ، لأننا هبطناها بعقبة ، ثم بعد أن وصلنا إليها وجدنا عقبة ثانية على مقربة منها إلى ناحية الطائف.
ومن الأمت إلى الطائف مررنا بواد كانت فيه سدود عدمليّة قديمة ، تجري منها المياه بأقنية منحوتة في الصخر إلى بساتين خاوية الآن على عروشها ، ثم إننا ملنا إلى بستان اسمه بستان القصر ، في نفس هذا الوادي ، عليه سانية غزيرة الماء ، تخصّ رجلا من القبيلة التي يقال لها قريش ، فتناولنا فيها الطعام ، وبعد القيلولة ركبنا عائدين إلى الطائف.
وأقول بالاختصار : إنّ مسافة الانتقال من حرارة مكة بالصيف إلى برودة الشفا التي وصفناها للقارىء لا تزيد اليوم على نهار واحد ، فمن مكة إلى الطائف بالسيارة الكهربائية خمس ساعات (١) ، ومن الطائف إلى الفرع خمس إلى ستّ ساعات ، ولو كان للشفا طرق معبدة ، لكان المصطاف يركب السيارة من مكة صباحا فيكون في الفرع وقت أذان العصر.
* * *
__________________
(١) بلغنا في العام الماضي أنّهم وجدوا أو عبدوا طريقا آخر يقطع في ثلاث ساعات أو أقل.