النار في الموقد ، وأكبروها ، وبعد أن التحفنا أسمك الأغطية.
وكنّا في صلاتي المغرب والعشاء نتوضّأ بالماء الساخن ، وجلسنا بعد الظهر على سطح بيت ، فلما كان عند أذان العصر شعرنا بالبرد ، ودخلنا إلى الداخل ، وكان مبيتنا في الفرع ليلة (٢٢) أغسطس ـ أب ، أي في إبّان القيظ ، فإذا كان هذا في الصيف ، فما ظنّك بالربيع والشتاء والخريف؟
ثم انحدرنا من الفرع إلى واد لطيف ملآن بالشجر اسمه الضيق (بفتح أوله) أو على رأيهم اللّيق (بتعظيم اللام) وتناولنا الغداء في قرية بهذا الوادي ، ثم انتهينا إلى الوادي الذي ذكرنا أنّه مبدأ لمياه وادي ليّة ، وصعدنا منه عقبة أفضنا منها إلى أراض منبسطة ، جيدة للزرع ، وفيها السواني والبساتين والقرى ، وأبنية جميع القرى هناك وفي جميع جبال الحجاز كلّها بالحجر وبغاية المتانة ، ومنها ما يخاله الإنسان أبراجا وحصونا ، وفي كلّ قرية أو دسكرة برج للحصار ، مستدير الشكل ، عال ، متين البناء ، معمم الرأس بمدماك من الحجارة البيض.
وكانوا في أثناء غزوات بعضهم لبعض والوقائع التي تحصل بينهم إذا هاجمت القرية قوة تفوق قوة أهلها ، لجأوا إلى هذا البرج ، واعتصموا به ، وجعلوا يرمون بالبندق من أعلاه.
أما اليوم فقد مضى كلّ هذا ، وأينما سرت يقولون لك ذلك القول الذي رويناه من قبل ، وهو : إنّ الأمن في زمن ابن سعود خيّم تخييما تاما على جميع البلاد ، وإنّ الدماء والثارات كلّها انقطعت ، وصار الجميع يسيرون في كل مكان بدون سلاح ، وقيل لنا : إنّ الأودية التي سلكناها ، والفروع التي فرعناها ، لم يكن أحد في الماضي ليسلكها إلا برفقة شاكية السلاح ، وإنّ الحكومة في أيام الأتراك لم تصل ولا مرة إلى الفرع والشفا ، ولا قدر أحد من الترك أن يطأ تلك الأرض.