إنه لا يزال حيا يرزق ، وأنه مقيم بجدة ، ولم يكن قتل هذا الضابط لمدحت خنقا كما كنا نسمع ، بل قبض على أنثييه ، واستلهما بقوة عصبه ، فبرد مدحت في مكانه ، ثم عادوا إلى الداماد ، فحاول أن يجاحش عن خيط رقبته ، ولكنّهم صرعوه ، وأزهقوا روحه ، ولم يستسلم [مدحت ومحمود] للموت بدون صراخ ، بل استغاثا بالجيران الذين بيوتهم مجاورة للقلعة ، فصاح النساء بالذين في القلعة ، ووبخنهم ، ودعون عليهم ، واشتدت الولولة ، إلا أنّ ذلك لم يمنع قيام القتلة بإنفاذ الأمر.
وأما خير الله أفندي شيخ الإسلام فلم يمسوه ، وبقي في القلعة إلى أن مات ، وتزوّج وهو بالقلعة ، وأولد أولادا ، وعاش طويلا ودفن مدحت ومحمود الداماد بتربة الحبر ابن عباس ، ولكنّ رئيس البلدية قال لي : إنّهم لا يعلمون في أية زاوية من الجبانة كانت مراقدهما ، وقد جاء بعض الأتراك بعد إعلان الدستور العثماني ، وبحثوا عنهما وبنوا لهما قبرين حيث رجّح النّاس أنّه وقع دفنهما.
وأما قطع رأس مدحت وإرساله إلى السلطان عبد الحميد في الآستانة كما هو شائع فلا يعلم هؤلاء الرواة شيئا عنه.
ذكرنا هذه الواقعة لأنّها تاريخية مهمة.
وكان الفراغ من تبييض هذا الكتاب بمدينة لوزان من بلاد سويسرة لأربع خلون من ذي الحجة سنة (١٣٤٩) موافق (٢٢) إبريل ـ نيسان سنة (١٩٣١).
والحمد لله أولا وآخرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا
وقد تمّ طبعه في شهر المحرم سنة (١٣٥٠) ولله الحمد.
وقد تم تجديد طبعه في شهر ربيع الأول سنة (١٤٢٤) ولله الحمد