تعرف منها جزءا مما أعرف ، وأنا أقول لك : إنّي لا أعهد هذه المناظر البديعة إلا لهذا الميناء وحده.
فسألته عن السبب في تشكّل هذه الألوان.
فقال : إنّ قعر البحر هنا ليس ببعيد ، وإن فيه أضلاعا مكسوّة نباتا بحريا متنوّع الألوان والأشكال ، وإنّ هذه الأضلاع ناتئة قريبة من سطح الماء ، فتنعكس مناظرها إلى الخارج ، ويزيدها نور الشمس رونقا وإشعاعا.
وقيل لي فيما بعد : إنّ ملوحة البحر الأحمر زائدة ، وإنّ هذه الملوحة هي السبب في تكوّن هذه الشعاب ، التي تكثر في هذا البحر ، وتجعل مسالكه خطرة ، وإنّ هذه الشعاب تنمو وتعلو حتى تقارب سطح الماء ، ومنها ما يبرز عن سطح الماء ، فيكوّن جزيرة.
وإنّ هذه الشعاب متكونة من أعشاب وحيوانات بحرية من طبقة الإسفنج ، وهي ذوات ألوان شتّى ، كلّها ناصع ، ومنها ما هو أحمر ساطع ، ومنها ما هو أخضر ناضر ، ومنها ما هو أصفر فاقع ، ومنها ما هو دون ذلك.
وقد يقتلع الملّاحة والغواصة منها أشجارا تسمى بشجر المرجان ، وهي في غاية الجمال ، ومن أبهى ما يوضع في أبهاء القصور للزينة.
فهذه الشعاب هي التي تنعكس ألوانها على سطح الماء ، فتكون أشبه بذيول الطواويس ، أو بقسيّ السّحاب ، وهي في الوقت نفسه الأخطار الدائمة على السفن ، والغيلان المتحفّزة لابتلاعها ، فسبحان الذي أودع فيها الحسن ، ولكنّه أنزل فيها البأس ، وجعلها غائلة للمراكب. ولقد صدق المثل : «إنّ من الحسن لشقوة».
قالوا : وإنّ آمن مرسى في الحجاز مرسى رابغ ، ذلك لعمق غوره ، وقلّة شعابه ، وعللوا ندور الشعاب فيه بكون ملوحة بحر رابغ أقل من ملوحة سائر المراسي ، وهذا من كثرة السيول المنصبّة على رابغ ، فالماء