مسافة لا تقلّ عن مسافة قناة عين زبيدة ، إلا أنّ ماء عين زبيدة أغزر وأعذب.
وتتصل قناة الزعفران بقناة عين زبيدة في محلة المعابدة ، في أول مكة من جهة الداخل من منى.
وكان [سليمان القانوني] أحد سلاطين بني عثمان قد أوصل هذه المياه إلى مكة سنة (٩٧٩) ه ، فأكمل ذلك العمل العظيم ، الذي قامت به زبيدة ، واقتدت بها الزعفران فيما قالوا.
وبعد ذلك منذ نحو أربعين سنة جاء أحد الهنود المسلمين ، وتبرّع بمبلغ من المال ، وجمع من مسلمي الهند مبلغا آخر ، وبنى بهذه الأموال بضعة عشر خزّانا للماء ، في كلّ حارة من حارات مكة خزان ، فكان بذلك للنّاس مرفق عظيم ، وهذا الخزان يقال له اليوم بمكة بازان ، وهي لفظة إنكليزية ، جاءتهم من الهند ، معناها بركة أو صهريج ، ومع هذا فقد بقي الماء عزيزا في موسم الحج ، فربما بيعت قربة الماء بأربعين قرشا.
ولما تولّى الحجاز الملك «عبد العزيز بن سعود» زاد سبل الماء في مكة ومنى ، فأزاح جانبا كبيرا من العلّة ، وفي أيامه تأسس في مكة معملان للجمد (الثلج) فكان في هذين المعملين من إزاحة العلّة ، وشفاء الغلّة ، ما لا يخفى على من يعلم حرّ مكة في أيام السرطان والأسد والسنبلة (١) ، فقد أصبح أكثر الحجاج والسكان يشفون أوامهم (٢) بالماء المثلوج ، ولعمري لا أجد مؤنسا في حرّ كهذا الحر كألواح الجمد ، التي ترتاح النفس إلى مجرّد النظر إليها ، قبل النهل والعلّ (٣) منها ، وكأنّها في فصل كهذا حصون منيعة يتقي بها الإنسان لفحات السّموم.
__________________
(١) [النهل : الشرب أول مرة ، والعل : الشرب ثانية].
(٢) [أشهر الصيف وتبدأ من ٢٢ حزيران حتى ٢٢ أيلول].
(٣) [الأوام بالضم : حرّ العطش].