أكثر الحجاج يتورّعون عن ذلك ، ابتغاء زيادة الأجر والثواب ، وعملا بأنّ الأجر على قدر المشقة ، وهم ينسون أنّ الله نهى عن إلقاء الإنسان بيده إلى التهلكة ، وأنّ احتمال المشقة إن كان فيه أجر وثواب ، فالتهوّر في الهلكة ليس فيه أجر ولا ثواب ، بل يكاد يكون انتحارا ، والانتحار ممنوع حتى في العبادة ، إنّ الإنسان لا يجوز له أن يهدم بنية الله تعالى ابتغاء مرضاة الله تعالى ، الذي لا يرضى بذلك منه ، وإنه ليس في الشرع الإسلامي ما يجيز للمسلم أن يضرّ بجسمه ضررا بيّنا متحققا ، ولو في سبيل التعبّد ، فعدم الاستظلال بمظلة عند ما تكون درجة الحرارة كما وصفنا نراه مخالفا لروح الشرع (١) ، ومن باب طلب الزيادة والوقوع في النقصان.
إنّ الهنود الهندوس الذين يرون في فصال النفس عن هذه الحياة الدنيا رجعى منها إلى الروح الكلية ، التي الاتحاد بها أعلى درجات السعادة عندهم يقصدون الهلاك ، ويستعذبون العذاب ، ويرون في المحن سبكا للنفوس ، وتصفية لها ، كما يصفّى الذهب الإبريز بالنار ، فتجدهم في عبادتهم ينزعون إلى الموت نزوعا.
ولكن الشرع الإسلاميّ خال من هذه العقائد ، وهو شرع دنيا وأخرى ، وكما أنّه نهى عن الإفراط في حبّ الدنيا ، نهى عن الإفراط في كرهها.
وإنّ كان الإسلام انتدب المؤمن إلى عزائم ، هي قوام الرجولية
__________________
(١) قد احتاط الأمير في قوله هذا ، ولو قال : لنصّ الشرع لم يكن مخطئا ، فالغلوّ في الدين منهيّ عنه ، ولو لم يكن فيه ضرر بدني محقّق ولا مرجّح ، ونصوص الكتاب والسنة في ذلك كثيرة ، والأفضل للمحرم أن يضحي (أي يبرز للشمس) إذا كانت الشمس لا تضره ، فإن خشي الضرر كره له ، فإن تحققه بالتجربة ، أو بقول طبيب يعتقد صدقه ، حظر عليه ، ووجب الاستظلال. وكتبه مصححه.