تعريف الماء قال : إنّه الحياة ـ لكان جديرا.
وربّ قائل : إنّ هذا لا يخصّ الحجاز دون غيره ، بل الماء هو الحياة في كلّ أقسام الكرة.
والجواب : إنّه في سائر البلاد لا تبدو من الماء هذه النزارة والكزازة التي تبدو منه في الحجاز ، وأينما تحولت تجد عيونا جارية ، وأودية سائلة ، وأحيانا تجد أنهارا مثل البحار ، وبحيرات تسير فيها السفن الكبار.
هذا والأمطار في بعض البلاد تسحّ في أشهر الشتاء سحّا ، لا يخشى معه ظمأ ولا قحط ، وقد تشحّ آونة لكن سحا لا تنضب به العيون ، ولا تجف الآبار ، وإنما تنتقص نقصا قد تنقص معه الثمرات ، وتذبل الأشجار ، وتذوي الزروع ، ولكن لا يقتلها العطش هذا القتل الوحي (١) ، الذي يقتلها في الحجاز.
ومن بلاد الله ما الأمطار فيها لا تكاد تقلع لا صيفا ولا شتاء ، فتجدها دائما زمردة خضراء.
وأما الحجاز فالغيث فيه قلّما يعمّ ، وأكثر ما ينزل نفضا (جمع نفضة بضم أوله) وهي المطرة تصيب القطعة من الأرض وتخطىء القطعة ، فإذا أصابت النّفضة أرضا زهت تلك السنة ، وأثمرت ، وعاش أهلها. وإذا أخطأتها ، أو جاءت بها رذاذا ، يبس كل ما هناك من زرع ، وعطش كل ما هناك من ضرع ، ولم يبق أمام أهلها إلا التحوّل عنها إلى أرض أخرى ، يكون الغيث قد سقاها ، ولا يعودون إلى الأرض الأولى إلا إذا أصابتها الرحمة ، وقد تكون الأرضات متجاورة ، وإنك لتجد هذه زاهية ناضرة ، وهذه على مسافة ربع ساعة منها غامرة باسرة ، وذلك لأنّ الغيث أصاب هذه وأخطأ هذه.
__________________
(١) [السريع].