لكنّه إن شاء الله حشر للثواب ، مبشّر بالرحمة والمغفرة يوم الحشر للحساب.
زعم المحققون من الأشياخ المجاورين أنّهم لم يعاينوا قط في عرفات جمعا أحفل منه ، ولا أرى كان من عهد الرشيد ـ الذي هو آخر من حجّ من الخلفاء ـ جمع في الإسلام مثله ، جعله الله جمعا مرحوما معصوما بعزته.
فلمّا جمع بين الظهر والعصر يوم الجمعة المذكور ، وقف النّاس خاشعين باكين ، وإلى الله عزوجل في الرحمة متضرّعين ، والتكبير قد علا ، وضجيج الناس بالدعاء قد ارتفع ، فما رؤي يوم أكثر مدامع ، ولا قلوبا خواشع ، ولا أعناقا لهيبة لله خوانع خواضع ـ من ذلك اليوم.
فما زال النّاس على تلك الحالة ، والشمس تلفح وجوههم إلى أن سقط قرصها ، وتمكّن وقت المغرب ، وقد وصل أمير الحاجّ مع جملة من جنده الدارعين ، ووقفوا بمقربة من الصخرات (١) عند المسجد الصغير ، وأخذ السّرو اليمانيون مواقفهم بمنازلهم المعلومة لهم في جبال عرفات ، المتوارثة عن جد فجد من عهد النبي صلىاللهعليهوسلم ، لا تتعدّى قبيلة على منزل أخرى.
وكان المجتمع منهم في هذا العام عددا لم يجتمع قطّ مثله ، وكذلك وصل الأمير العراقي في جمع لم يصل قط مثله ، ووصل معه من أمراء الأعاجم الخراسانيين ، ومن النساء العقائل المعروفات بالخواتين ، ومن السيدات بنات الأمراء كثير ، ومن سائر العجم عدد لا يحصى ، فوقف
__________________
(١) هذه الصخرات التي يتكّرر ذكرها معروفة ، وهي التي وقف النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوسلم عندها في حجّة الوداع ، ولكنه قال : «وقفت هاهنا وعرفة كلّها موقف» رواه مسلم [رقم (١٢١٨ ـ ١٤٩) من حديث جابر رضياللهعنه] يعني أنّ وقوفه هنالك إتفاقيّ ، لا لفضيلة في المكان ، لئلا يتهافت النّاس بعده عليه ، ولكنهم يفعلون ذلك ما استطاعوا. مصححه