وهذه المدينة ـ كلأها الله ـ من المدن العجيبة الغريبة ، وهي في غاية الاتّساع ونهاية الإتقان ، والرّخام بها كثير (١) ، وأكثر أبواب ديارها معمول به عضائد وعتبا ، وجلّ مبانيها في حجر منحوت محكم العمل ، ولها أبواب عديدة ، وعند كلّ باب منها ربض (٢) متّسع على قدر البلد المستقلّ ، ولو أتّفق أن يكون بها ماء جار لكانت معدومة النّظير شرقا وغربا ، ولكن ماؤها قليل ؛ وفي ديارها مصانع لماء المطر ، وهو المستعمل عندهم.
وأمّا السّاقية المجلوبة من ناحية زغوان (٣) [٢٢ / ب] فقد استأثر بها قصر السّلطان (٤) وجنانه إلّا رشحا يسيرا سرّب إلى ساقية (٥) جامع الزّيتونة ، يتسرّب (٦) منها في أنابيب من رصاص ، ويستقي منها الغرباء ومن ليس في داره ماء ، ويكثر عليها الازدحام (٧).
[جامع الزّيتونة]
وهذا الجامع من أحسن الجوامع وأتقنها وأكثرها إشراقا ، ودائره مسقّف ووسطه فضاء قد نصبت فيه أعمدة من خشب على قدر ارتفاع
__________________
(١) في ت وط : كثير بها.
(٢) ربض المدينة : ما حولها.
(٣) زغوان : جبل بالقرب من تونس في الجانب القبلي منها ، ياقوت : ٣ / ١٤٤ وهي اليوم بلدة قرب مدينة تونس.
(٤) المقصود بالسّلطان : أبو حفص عمر بن أبي زكريا الحفصي الذي حكم تونس بين سنتي ٦٨٣ و ٦٩٤ ه.
(٥) في ت : سقاية.
(٦) في ت وط : يترشف.
(٧) في ط : الزّحام.