ثانيا : إن قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (١) قد نزلت في غزوة بني المصطلق سنة ست.
فإذا كان النبي «صلىاللهعليهوآله» يعرف : أن الله لا يغفر للمنافقين ، حتى لو استغفر لهم ، فإنه لا بد أن يعرف : أنه تعالى لا يغفر للمشرك ، المعلن بشركه ، فلماذا يبادر إلى عمل يعرف مسبقا أنه بلا نتيجة؟!
ثالثا : لو سلمنا أن آية : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى ..) (٢) قد نزلت حين وفاة أبي طالب فهي إنما نزلت لتأكيد تنزيهه عن الشرك ، لا لأجل إثبات شركه.
فقد روي : أنه لما مات أبو طالب لم تكن الصلاة على الميت قد نزلت بعد ، فما صلى النبي «صلىاللهعليهوآله» عليه ولا على خديجة ، وإنما اجتازت جنازة أبي طالب والنبي «صلىاللهعليهوآله» وعلي وجعفر وحمزة جلوس ، فقاموا وشيعوا جنازته واستغفروا له ، فقال قوم : نحن نستغفر لموتانا وأقاربنا المشركين أيضا ظنا منهم أن أبا طالب مات مشركا لأنه كان يكتم إيمانه ، فنفى الله عن أبي طالب الشرك ، ونزّه نبيه «صلىاللهعليهوآله» ، والثلاثة المذكورين «عليهمالسلام» عن الخطأ في قوله : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ).
فمن قال بكفر أبي طالب فقد حكم على النبي «صلىاللهعليهوآله»
__________________
(١) الآية ٦ من سورة المنافقون.
(٢) الآية ١١٣ من سورة التوبة.