دون المستوى الذي ظنه فيهم ، وأقل مما توهمه عنهم ، فإذا طالت الصحبة ، ودامت مخالطته لهم ، فإن مستوى الإعجاب سوف يتراجع عما هو عليه ، ويتضاءل بصورة تدريجية ، تبعا لما يتكشف له من نقائص ، وما يظهر له من نقاط ضعف فيهم ، يسعى الناس عادة لإخفائها ، والتستر عليها.
ولكن هذا التراجع وظهور نقاط الضعف قد لا يبرر له قطع الرابطة معهم ، وذلك لأن عامل الإلف ، والعادة ، وربما الانجذاب إلى صفات أو حالات أو مصالح معينة يجدها فيهم ، تدفعه إلى توثيق العلاقة بهم ، وإدامتها ، وتحفظ له بعض الحيوية فيها.
ولكن حياة زيد بن حارثة مع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لم تكن على هذه الصفة ، بل كان «رحمهالله» يكتشف فيه «صلىاللهعليهوآله» كل آن ما هو جديد وفريد من الميزات والخصائص الإنسانية التي لا نظير لها ، والتي كان لتنامي قدرات زيد الروحية ، والإيمانية ، والفكرية ، والإدراكية الأثر الفعال في التعرف عليها ، والتفاعل معها ..
٢ ـ ومن جهة أخرى : فإن لعلاقة الرحم بالرحم خصوصية لا توجد فيما عداها ، مما عرفه الناس وألفوه ، خصوصا إذا كانت علاقة والد بولده ، وولد بأبيه ، ولا سيما إذا كان الوالد جليلا ، وكان الولد عاقلا نبيلا .. فكيف إذا ذكت هذه العلاقة ، وتأجج أوارها بفعل مأساة ، تمثلت في التحول من عز الحرية ، إلى ذل الأسر والعبودية ، حيث لا بد أن يؤذيه إحساسه بالضعف بعد القوة ، وبالمهانة والاستهانة ، بعد العيش في منازل السؤدد والكرامة ؛ فكيف إذا أصبح يواجه بالقسوة بعد الرحمة ، وبالإذلال بعد الدلال والإدلال ..