فإن من الطبيعي أن يضاعف ذلك حنينه إلى الحياة التي فارقها ، وأن يزداد مقته للواقع الذي يعاني منه ، ولسوف تتأكد علاقته الروحية بوالديه ، وتشتد لهفته للقائهما ، والعيش تحت جناحهما ، حيث يتبلور شعوره بالقوة وبالكرامة ، وبالعزة. وتنتعش روحه بما يفيضانه عليه من حب ، وبما يغمرانه به من رأفة ورحمة ، ومن دفء وحنان. وليهنأ بالراحة ، وليهدأ تحت ظلال السلام والسلامة ، والسكينة والأمان.
وكان زيد من أول الأمر شديد الحنين إلى أهله وقومه ..
فقد ذكر ابن سعد : أن أناسا من كلب ـ قبيلة زيد ـ حجوا فرأوا زيدا فعرفهم وعرفوه ، فقال : بلغوا أهلي هذه الأبيات ، فإني أعلم أنهم قد جزعوا علي ، وقال :
أحن إلى قومي وإن كنت نائيا |
|
بأني قتيل البيت عند المشاعر |
فكفوا من الوجد الذي قد شجاكم |
|
ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر |
فإني بحمد الله من خير السرة |
|
كرام وعد كابرا بعد كابر (١) |
وقد أشارت هذه الأبيات إلى : أن زيدا كان يعرف شدة محبة أبيه له ، وتعلقه به.
فقد ذكر ابن سعد : أن ناسا من كلب ـ قبيلة زيد ـ حجوا فرأوا زيدا.
ولكن زيدا لم يكتف برفض العودة مع أبيه إلى البيت الذي رباه ، بل هو قد رضي بالبقاء تحت وطأة آلام كل تلك المعاني التي قد يحيطه بها الكثيرون من الناس من حوله.
__________________
(١) الطبقات الكبرى ج ٣ ص ٤١.