وإعلانه أنه قد تبناه ، يمثل إنقاذا لموقف زيد ، بأفضل أسلوب ، وأرشد طريقة ، حيث منحه بذلك أعظم وسام ، وجعله في أعلى مقام ، غير آبه بالأعراف الاجتماعية الخاطئة ، التي تنطلق من العنجهيات الفارغة ، ومن مفاهيم الجاهلية اللاإنسانية ، التي تقضي بالتمييز بين الأحرار والعبيد ، وبين السادة والموالي ..
وبذلك يكون قد أسقط المفهوم الجاهلي وأدانه ، ورفضه ، بالأفعال لا بالأقوال من جهة .. وقطع الطريق على حارثة بن شراحيل من جهة أخرى.
ثم يكون قد أصلح ما أفسده موقف حارثة ، وجبر الكسر الاجتماعي ، والروحي الذي حدث لزيد بسبب تبري أبيه منه ، حيث منحه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ما لم يكن يحلم به ، وحباه شرفا يغبطه عليه خيار الأمة وكرامها.
٥ ـ لا مجال للتوهم الذي يقول : إن حارثة بن شراحيل لم يكن شديد التعلق بولده ، ولأجل ذلك سرعان ما أعلن التخلي عنه ، والتبرأ منه ..
وذلك لأن والده قد قال أبياتا عبر فيها عن حقيقة ما يختلج في نفسه من شوق لولده ، ومن تلك الأبيات :
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل |
|
أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل |
فو الله ما أدري ، وإن كنت سائلا |
|
أغالك سهل الأرض ، أم غالك الجبل |
تذكرنيه الشمس عند طلوعها |
|
وتعرض ذكراه إذا قاربت الطّفل |
وإن هبت الأرواح هيجنا ذكره |
|
فيا طول ما حزني عليه ، ويا وجل |
سأعمل نص العيس في الأرض جاهدا |
|
ولا أسأم التطواق أو تسأم الإبل |