ثم جرى بين عائشة وأبيها ، ثم بين أبي بكر ورسول الله «صلىاللهعليهوآله» ما قدمناه فيما سبق.
وإذا كانت هذه التسريبات قد دعت النبي بدأ إلى التحفظ على مسالك المدينة في سهولها وجبالها ، ووضع الحرس عليها ، وضبطها.
وإذا كانت الاحتمالات والتكهنات بدأت تؤتي ثمارها على شكل رسائل تحذير لقريش ، حيث تجلى ذلك في قصة حاطب بن أبي بلتعة.
وإذا كانت قصة حاطب قد انتهت على ذلك النحو المثير لكل الناس الذين حضروا وشاهدوا أو سمعوا بما جرى ، حيث نودي بالناس : «الصلاة جامعة» ، فاجتمعوا في المسجد ، ثم كان ما كان ..
وإذا كان عشرة آلاف مقاتل قد بدأوا يتحركون باتجاه المقصد ..
وإذا كانوا قد ساروا أياما وليالي عديدة نحوه ..
فإننا لا بد أن نتوقع : أن الأمور قد اتضحت لكل أحد ، وأسفر الصبح لذي عينين ..
ولكن المفاجأة الهائلة والعظيمة هي : أن تسير هذه الألوف المؤلفة على هيأتها ووفق ما هو مرسوم في تدبير الجيوش ، وفي كيفية سيرها نحو العدو ، حيث الطلائع تقدم ، تبث الأرصاد .. وتؤخذ عيون العدو ، ويستفاد من المعلومات التي لديها ، ثم يحتفظ بهم للوقت المناسب ..
إن المفاجأة هي : أن هذا الجيش يسير باتجاه مقصده ، ويصل إلى قديد (وهي قرية جامعة قريب مكة) (١) ، ولا يزال يجهل الجهة التي يقصدها ،
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٨١ ومعجم البلدان ج ٤ ص ٣١٣ وراجع : عمدة