ولادة كثير من هؤلاء الضحايا بسنوات كثيرة بلا ريب ..
فالثأر يهدف إلى التدمير والإبادة والاستئصال حتى للبريء ..
وقد قال سهيل بن عمرو لنوفل بن الحرث بن معاوية : «وأنت قد حصدتهم ، تريد قتل من بقي»؟
وإذا كان الحاكم هو منطق الأحقاد والضغائن ، لا الأخلاق والقيم والمبادئ والشرع ، أو العقل ، فلا بد من أن ينتج هذا السلوك حرصا على مقابلة الإساءة بالإساءة ، والتدمير والاستئصال حتى للأبرياء بمثله ، ويحول الوحدة إلى تشتت وتفرق ، والجماعة والعصبة إلى تمزق ، ويتحول اهتمام المجتمع من العمل على لم الشعث ، والتعاون على البر والتقوى ، ليصبح تعاونا على الإثم والعدوان وعلى معصية الله ورسوله.
وهذا هو الفرق بين الثأر والقصاص.
فإن القصاص إجراء تربوي إصلاحي ، يهدف إلى إرساء قواعد القسط والعدل ، وإلى جعل الحياة أكثر صفاء ونقاء ، بل أكثر حيوية وقوة واندفاعا ، على قاعدة : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ) (١).
وفي القصاص حفاظ على النفوس ، ومحاصرة للجريمة ، وخنق لها في مهدها ، وقطع دابرها ، وإعفاء آثارها ..
والقصاص معناه : حصر الجريمة في مصدرها وهو المجرم نفسه ، ثم استئصاله واستئصالها به ، وتطهير المحيط منه ومنها.
والقصاص يرسي قواعد الأمن المجتمعي ، ويبعد الناس عن العيش في
__________________
(١) الآية ١٧٩ من سورة البقرة.