وإذا نظرنا إلى الأمور من حيثية أخرى فسنجد : أن الله تعالى الذي يعامل الناس العاديين من مقامه الربوبي ، فيعتمد منطق الرحمة ، والرفق ، والغفورية ، والتوابية ، والترغيب ، والترهيب وغير ذلك .. يعامل أنبياءه «عليهمالسلام» من موقع الألوهية ، فيضع لهم النقاط على الحروف بكل صراحة وحزم ، فيقول لواحد من هؤلاء الأنبياء : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (١).
ويقول : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) (٢) ..
ثانيا : إنه «صلىاللهعليهوآله» يريد أن يعطي القاعدة للناس ؛ ليعرفوا : أن الحكم الإلهي الذي يجريه على كل البشر ، هو أن نفس ترك نصرة المظلوم يستتبع فقدان النصر الإلهي في موضع الحاجة إليه وله هذا الأثر ، بغض النظر عن أية خصوصية أخرى.
فهو «صلىاللهعليهوآله» قد استخدم أفضل أسلوب بياني تطبيقي ، يجسد الفكرة للآخرين بصورة حية وواقعية ، ويسهل إدراكها وفهمها على كل الناس.
ثالثا : إن الواجب عليه «صلىاللهعليهوآله» هو مجرد النصر لبني كعب ، بحيث يرتفع الظلم عنهم ، ولا يجب عليه أن ينصرهم مما ينصر منه نفسه وأهل بيته ، فإن هذه المرتبة أعلى وأشد من تلك المرتبة ، فالذي تعهد
__________________
(١) الآية ٥٦ من سورة الزمر.
(٢) الآيات ٤٤ ـ ٤٦ من سورة الحاقة.