أقول : أمّا الأوّل فالظاهر عدم ثبوته بل ثبوت خلافه ، وذلك لأنّ من عرف ربّه وعظمته ، وعرف فقر نفسه ، وأنّ ما يملكه من حول وقوة ، وجارحة وجانحة ، وما يصرفه في طريق الطاعة ، كلّه مفاض منه تعالى إليه ، وليس ملكاً للعبد ، بل ملك له سبحانه ، صدّق القول بعدم الاستحقاق ، لأنّ القائل بالاستحقاق ذهب إلى أنّه يجب عليه سبحانه القيام به ، وعَدّ تركه ظلماً منه للعباد ، وهو لا يجتمع مع القول بأنّ المالك هو الله سبحانه على الإطلاق ، لا غير ، وأنّ جميع شئون العبد وحوله وقوّته وإرادته وفعله ملك لله تعالى ، فما أتى به العبد ليس سوى ما أعطاه إيّاه تعالى.
وإن شئت قلت : إنّ مثَل المخلوق إلى خالقه ، مثَل المعنى الحرفي إلى الاسمي فلا يملك المعنى الحرفي لنفسه شيئاً سوى كونه موجوداً غير مستقل في ذاته وفعله ، وعند ذلك كيف يستحقّ شيئاً في ذمة المولى ، بحيث لو لم يؤدّه يكون ظالماً في حقّه؟! وإلى ذلك يشير قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ). (١)
وأمّا التّعبير في بعض الآيات «بالأجر» الظاهر في الاستحقاق كقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ). (٢)
وقوله سبحانه : (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (٣) إلى غير ذلك من الآيات ، فإنّما هو من باب المشاكلة نظير التعبير بالاستقراض في قوله سبحانه : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ). (٤)
__________________
(١) فاطر : ١٥.
(٢) فاطر : ٧.
(٣) هود : ١١٥.
(٤) الحديد : ١١.