وأمّا على القول الثاني أي كون الثواب تفضّلاً من الله سبحانه فيكون الثواب والعقاب بالجعل والمواضعة فله أن يتفضّل على العباد بالوعد كما أنّ له أن لا يتفضّل عليهم به.
نعم بعد ما وعد يمتنع عليه التخلّف لاستلزامه الكذب الذي هو قبيح على الحكيم.
وعلى ضوء ذلك يظهر حكم المسألة أي ترتّب الثواب على الواجب الغيري ، فلو قلنا بأنّ الثواب على نحو الاستحقاق يكون المدار هو إطاعة أمر المولى ، سواء أكان المأمور به نفسياً أم غيرياً خصوصاً إذا أتى العبد بالمقدّمة بقصد التوصّل إلى الواجب فيعد مطيعاً والمطيع مستحق للثواب من غير فرق بين إطاعة أمر دون أمر ولا بين كون الواجب محبوباً بالذات أو لا ، لأنّ ملاك الاستحقاق هو أن يكون فعل العبد لأجل امتثال أمره سبحانه من دون أن ينبعث عن أهواء نفسية وكون المتعلّق غير محبوب بالذّات كما في الواجب الغيري لا يؤثر في صدق الطاعة وكون الفعل للمولى المستتبع للثواب.
وأمّا لو قلنا بأنّ الثواب بالجعل والمواضعة فيتبع مقدار الجعل وحدوده ، والظاهر من الكتاب هو الأعم وانّ الثواب يترتب على مقدّمة الواجب أيضاً كما في قوله سبحانه : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (١) فقد قدّر لطيّ الأرض والسفر إلى أرض المعركة ، وما يصيبهم في أثناء ذلك من ظمأ وتعب
__________________
(١) التوبة : ١٢٠.