العمليّة من مصادرها ، وهو رمز خلود الدين وحياته ، وجعله غضّاً طريّاً ، مصوناً عن الاندراس عبْر القرون ومغنياً المسلمينَ عن التطفّل على موائد الأجانب ، ويتّضح ذلك من خلال أُمور :
١. انّ طبيعة الدين الإسلامي أي كونه خاتم الأديان إلى يوم القيامة تقتضي فتح باب الاجتهاد لما سيواجه الدين في مسيرته من أحداث وتحدّيات مستجدَّة ، وموضوعات جديدة لم يكن لها مثيل أو نظير في عصر النص ، فلا محيص عن معالجتها إمّا من خلال بذل الجهود الكافية في فهم الكتاب والسنّة وغيرهما من مصادر التشريع واستنباط حكمها ، وإمّا باللجوء إلى القوانين الوضعية ، أو عدم الفحص عن حكمها وإهمالها.
والأوّل هو المطلوب ، والثاني يكوّن نقصاً في التشريع الإسلامي ، وهو سبحانه قد أكمل دينه بقوله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (١) والثالث لا ينسجم مع طبيعة الحياة ونواميسها.
٢. لم يكن كل واحد من أصحابِ النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) متمكناً من دوامِ الحضورِ عنده (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لأخذ الأحكام عنه ، بل كان في مدّة حياته يحضره بعضهم دون بعض ، وفي وقت دون وقت ، وكان يسمع جواب النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) عن كلّ مسألة يسأل عنها بعض الأصحاب ويفوت عن الآخرين ، فلمّا تفرّق الأصحاب بعد وفاته (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في البلدان ، تفرّقت الأحكام المروية عنه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فيها ، فتُروى في كلّ بلدة منها جملة ، وتُروى عنه في غير تلك البلدة جُملة أُخرى ، حيث إنّه قد حضر المدنيّ من الأحكام ، ما لم يحضره المصري ، وحضر المصريّ ما لم يحضره الشاميّ ، وحضر الشاميّ ما لم يحضره البصري ، وحضر البصري ما لم يحضره الكوفي إلى غير ذلك ، وكان كل منهم
__________________
(١) المائدة : ٣.