يجتهد فيما لم يحضره من الأحكام. (١)
إنّ الصحابي قد يسمع من النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في واقعة ، حكماً ويسمع الآخر في مثلها خلافه ، وتكون هناك خصوصية في أحدهما اقتضت تغاير الحكمين غفل أحدهما عن الخصوصية ، أو التفت إليها وغفل عن نقلها مع الحديث ، فحصل التعارض في الأحاديث ظاهراً ، ولا تنافي واقعاً ؛ ومن هذه الأسباب وأضعافِ أمثالها احتاج حتى الصحابة الذين فازوا بشرف الحضور ، في معرفة الأحكام إلى الاجتهاد والنظر في الحديث ، وضمّ بعضه إلى بعض ، والالتفات إلى القرائن الحالية ، فقد يكون للكلام ظاهر ، ومراد النبي خلافه اعتماداً على قرينة في المقام ، والحديث نُقِلَ والقرينة لم تنقل.
وكلُّ واحد من الصحابة ، ممّن كان من أهل الرأي والرواية ، تارة يروي نفس ألفاظ الحديث ، للسامع من بعيد أو قريب ، فهو في هذا الحال راو ومحدث ، وتارة يذكر الحكم الذي استفاده من الرواية ، أو الروايات بحسب نظره واجتهاده فهو في هذا الحال ، مفت وصاحب رأي. (٢)
٣. وهناك وجه ثالث وهو انّ صاحبَ الشريعة ما عُني بالتفاصيل والجزئيات لعدم سنوح الفرص ببيانها ، أو تعذر بيان حكم موضوعات لم يكن لها نظير في حياتهم ، بل كان تصوّرها لعدم وجودها أمراً صعباً على المخاطبين ، فلا محيص لصاحبِ الشريعةِ عن إلقاء أُصول كلية ذات مادة حيويّة قابلة لاستنباط الأحكام وفقاً للظروفِ والأزمنة.
٤. انّ حياة الدين مرهونة بمدارسته ومذاكرته ولو افترضنا أنّ النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ذكر
__________________
(١) المقريزي : الخطط : ٣٣٣ / ٢.
(٢) أصل الشيعة وأُصولها : ١٤٧ ، طبعة القاهرة.