التقدير الثالث : ولكلّ منكم جعلنا موالي ، أي عاصبين من الذين تركهم الوالدان ، مثل الأعمام والأجداد والأخوال ، فإنّهم قرباء الأبوين ، وممّا تركهم الأقربون مثل أبناء الأعمام وأبنائهم وإن تعدّدوا ، وأبناء الأخوات كذلك ، فإنّهم قرباء الأقربين ، فتكون الآية مشيرة إلى إرجاع الأموال إلى العصبة عند الجمهور ، وإلى ذوي الأرحام عند بعض الفقهاء ، وذلك إذا انعدم الورثة الذين في آية المواريث السابقة ، وهو حكم مجمل بيّنه قول النبيصلىاللهعليهوسلم : «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر» ، وقوله : «ابن أخت القوم منهم أو من أنفسهم» رواه أبو داود والنسائي ، وقوله : «الخال وارث من لا وارث له» أخرجه أبو داود والترمذي ، وقوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) [الأنفال : ٧٥] ، وبذلك أخذ أبو حنيفة ، وأحمد ، وعليه ف (ما) الموصولة في قوله : (مِمَّا تَرَكَ) بمعنى (من) الموصولة ، ولا بدع في ذلك. وهذا التقدير يناسب أن يكون ناشئا عن قوله تعالى بعد آية المواريث (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) [البقرة : ١٨٧] فتكون تكملة لآية المواريث.
التقدير الرابع : ولكلّ منكم أيّها المخاطبون بقولنا : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) [النساء : ٣٢] جعلنا موالي ، أي شرعنا أحكام الولاء لمن هم موال لكم ، فحكم الولاء الذي تركه لكم أهاليكم : الوالدان والأقربون ، أي أهل الولاء القديم في القبيلة المنجرّ من حلف قديم ، أو بحكم الولاء الذي عاقدته الأيمان ، أي الأحلاف بينكم وبينهم أيّها المخاطبون ، وهو الولاء الجديد الشامل للتبنّي المحدث ، وللحلف المحدث ، مثل المؤاخاة التي فرضها النبي صلىاللهعليهوسلم بين المهاجرين والأنصار. فإنّ الولاء منه ولاء قديم في القبائل ، ومنه ما يتعاقد عليه الحاضرون ، كما أشار إليه أبو تمّام.
أعطيت لي دية القتيل وليس لي |
|
عقل ولا حلف هناك قديم |
وعلى هذا التقدير يكون (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) معطوفة على (الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) وهذا التقدير يناسب أن يكون ناشئا عن قوله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) [البقرة : ١٨٧] فتكون هذه الآية تكملة لآيات المواريث.
وللمفسّرين تقادير أخرى لا تلائم بعض أجزاء النظم إلا بتعسّف فلا ينبغي التعريج عليها.
وقوله : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) قيل معطوف على قوله : (الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) ، وقيل هو جملة مستأنفة استئنافا بيانيا ، كأنّه قيل : من هم الموالي؟ فقيل : (الْوالِدانِ