الشرطين يفيد كون الثاني منهما في الذكر هو الأوّل في الحصول. ونسبه الزجّاجي في كتاب «الأذكار» إلى ثعلب ، واختاره ابن مالك وقال به من الشافعية : البغوي ، والغزالي في الوسيط ، ومن العلماء من زعم أنّ ترتيب الشرطين في الحصول يكون على نحو ترتيبهما في اللفظ ، ونسبه الشافعية إلى القفّال ، والقاضي الحسين ، والغزالي في «الوجيز» ، والإمام الرازي في «النهاية» ، وبنوا على ذلك فروعا في تعليق الشرط على الشرط في الإيمان ، وتعليق الطلاق والعتاق ، وقال إمام الحرمين : لا معنى لاعتبار الترتيب ، وهو الحقّ ، فإنّ المقصود حصولها بقطع النظر عن التقدّم والتأخّر ، ولا يظهر أثر للخلاف في الإخبار وإنشاء الأحكام ، كما هنا ، وإنّما قد يظهر له أثر في إنشاء التعاليق في الأيمان ، وأيمان الطلاق والعتاق ، وقد علمت أنّ المالكية لا يرون لذلك تأثيرا. وهو الصواب.
واعلم أنّ هذا إذا قامت القرينة على أنّ المراد جعل الشرطين شرطا في الجواب ، وذلك إذا تجرّد عن العطف بالواو ولو تقديرا ، فلذلك يتعيّن جعل جملة الشرط الثاني وجوابه جوابا للشرط الأول ، سواء ارتبطت بالفاء ـ كما في هذه الآية ـ أم لم ترتبط ، كما في قوله : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ)[هود : ٣٤]. وأمّا إذا كان الشرطان على اعتبار الترتيب فلكلّ منهما جواب مستقلّ نحو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) إلى قوله : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها) [الأحزاب : ٥٠]. فقوله : (إِنْ وَهَبَتْ) شرط في إحلال امرأة مؤمنة له ، وقوله : (إِنْ أَرادَ النَّبِيُ) شرط في انعقاد النكاح ، لئلّا يتوهّم أنّ هبة المرأة نفسها للنبي تعيّن عليه تزوّجها ، فتقدير جوابه : إن أراد فله ذلك ، وليسا شرطين للإحلال لظهور أنّ إحلال المرأة لا سبب له في هذه الحالة إلّا أنّها وهبت نفسها.
وفي كلتا حالتي الشرط الوارد على شرط يجعل جواب أحدهما محذوفا دلّ عليه المذكور ، أو جواب أحدهما جوابا للآخر : على الخلاف بين الجمهور والأخفش ، إذ ليس ذلك من تعدّد الشروط وإنّما يتأتّى ذلك في نحو قولك : «إن دخلت دار أبي سفيان ، وإن دخلت المسجد الحرام ، فأنت آمن» وفي نحو قولك : «إن صليت إن صمت أثبت» من كلّ تركيب لا تظهر فيه ملازمة بين الشرطين ، حتّى يصير أحدهما شرطا في الآخر.
هذا تحقيق هذه المسألة الذي أطال فيه كثير وخصّها تقيّ الدين السبكي برسالة وهي مسألة سأل عنها القاضي ابن خلكان الشيخ ابن الحاجب كما أشار إليه في ترجمته من كتاب «الوفيات» ، ولم يفصّلها ، وفصّلها ، الدماميني في «حاشية مغني اللبيب».