صلاة المغرب فخرج معنا فراشان بشمعتين ، فلما جلسنا في الماء دفعا (١) الشمعتين إلى غلماننا فرددناهما فقالا : لا نأخذهما قد أمرنا أن ندفع بعد اصفرار الشمس إلى كل من خرج شمعة ، فقلنا : قد قبلناهما ووهبناهما لكما ، فقالا : أتريدان أن نعاقب ونخرج من الدار؟ فتركاهما ومضيا.
قال الصولي : وحدثني أبو الفضل بن الفرات قال : لما قبض على ابن الفرات بعد وزارته الأولى نظرنا فإذا هو يجري على خمسة آلاف من الناس أقل جاري أحدهم خمسة دراهم في الشهر ونصف قفيز دقيق إلى عشرة أقفزة ومائة دينار في كل شهر.
قال الصولي : وحدثني أحمد بن العباس النوفلي أنهم كانوا يجالسونه قبل الوزارة بتكاء لكل واحد ، فلما ولي الوزارة وجلس معهم ليلة لم يجئ الفراشون بالتكاء ، فغضب عليهم وقال : إنما رفعني الله لأضع من جلسائي ، والله لا جالسوني إلا بتكائين ، فكنا كذلك ليال حتى استعفينا ، فقال لنا : والله ما أريد الدنيا إلا لخير أقدمه أو صديق أنفعه ، وما أقول إني أحسنت إليكم بمقدار ما تستحقون وأنتم إخواني ، ولو لا أن النزول عن الصدر سخف لا يصلح لمثل حالي لما أخذته عليكم ولساويتكم في المجلس.
قال الصولي : ومن فضائله أني لم أسمعه قط ولا غيري دعا أحدا من كتابه غير كنيته وكذلك سائر حجابه وأصحابه ، وكذلك إذا ذكره وهو غائب ، وربما قال : أين فلان؟ فسبقه لسانه بتسميته رجع فكناه.
وقال الصولي : حدثني سوار بن أبي شراعة قال : سرت مع ابن الفرات قبل الوزارة في طريق إلى بعض إخوانه فلما أراد الرجوع قلت له : هاهنا طريق أقرب من ذلك ، فقال : قد عرفته ولكني قد ألفت هذا الطريق فما أحب أن أسلك غيره لأني آلف كل شيء حتى الطريق.
قال الصولي : وكان اعتل في أيام وزارته علة صعبة ، فكان إذا أفاق [قال] (٢) ما غمي بعلتي بأشد من غمي بتأخر حوائج الناس وفيهم المضطر والمعتل ومن يريد سفرا ، فضعوا الأعمال بين يدي ، وكان كلما أفاق نظر في الشيء بعد الشيء منها وهو من الضعف لا يبين الكلام.
__________________
(١) هكذا في الأصل ، وفي كتاب الوزراء : «فلما نزلنا إلى التميرية»
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل