الأمر الأول : الاحتياط وإن كان حسنا في نفسه عقلا ، لما فيه من الانقياد للمولى ، كما تقدم ، إلا أنه قد يزاحم بما هو الأهم عقلا ، كالإطاعة الحقيقية في التكاليف المنجزة الالزامية أو غيرها ، فيلزم تركه عقلا ، أو يرجح وإن لم يخرج عن كونه حسنا في نفسه ، كما هو الحال في تزاحم الاحتياطين غير اللازمين أو تزاحم التكليفين المنجزين.
كما أنه قد يردع عنه شرعا ، لعدم وفائه بالغرض لتوقف الغرض على الجزم بالتكليف ، أو لاستلزامه محذورا لازم الدفع ، كما أشرنا إليه في أواخر مبحث التجري.
لكن الظاهر أن الردع المذكور راجع إلى تقييد التكليف الواقعي أو المكلف به ، بغير صورة الاحتياط فلا يكون الاحتياط إطاعة له ، كي يكون انقيادا وحسنا ، فالردع عن الاحتياط مخرج له عن الانقياد وعن موضوع الحسن ، لا أنه ردع عن بعض أفراد الانقياد ، بل هو في الحقيقة موجب لسد باب الاحتياط.
وتوضيح ذلك : أن قوام التكليف باقتضائه للعمل وداعويته له ، وحينئذ فان تنجز صار موردا للمسئولية ولزم عقلا إطاعته بملاك أهلية المولى لها ، أو بملاك دفع الضرر ، وامتنع ردع الشارع عن إطاعته ، لمنافاته لمقتضى التكليف ، إلا أن يرجع إلى رفع التكليف نفسه.
وإن لم يتنجز قصر عن مقام المسئولية لكن حسن عقلا الاهتمام بموافقته بالاحتياط انقيادا للمولى بملاك أهليته وإن لم يترتب الضرر.
وحينئذ كما يمتنع الردع عن الإطاعة في فرض تنجز التكليف إلا برفع التكليف نفسه ، كذلك يمتنع الردع عن الاحتياط في فرض عدم تنجزه إلا بتقييد التكليف أو المكلف به بنحو لا يشمل حال الاحتياط ، ليخرج عن مورد التكليف ، فلا يكون احتياطا ولا انقيادا. وإلا فمع فرض شمول التكليف له وفعلية التكليف به يكون الاحتياط انقيادا للمولى ، فيمتنع الردع عنه ، لأنه علة