الاخباريون على وجوب الاحتياط بالأمر به والحث عليه ، وبعد فرض عدم حملها على الوجوب وتحكيم أدلة البراءة ، فهل تحمل على الإرشاد لحسنه عقلا بملاك الانقياد ، أو على الاستحباب المولوي ، كما هو الأصل في الأوامر الشرعية؟
ولا يخفى أن نصوص الاحتياط على قسمين :
الأول : ما تضمن الأمر به بملاك تحصيل الواقع المحتمل من دون أن يتضمن أثرا زائدا على ذلك ، كما هو مفاد التعليل بمثل قولهم عليهم السّلام : «من أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم» (١).
الثاني : ما تضمن الأمر به بملاك أمر آخر غير تحصيل الواقع المشتبه ، مثل قولهم عليهم السّلام : «فمن ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له أترك» (٢).
أما الأول فقد ذكر شيخنا الأعظم قدّس سرّه وغيره أنه ظاهر في الإرشاد لحسن الاحتياط عقلا ، بملاك الانقياد من حيث كونه تحصيلا لمصلحة الحكم الواقعي.
واستشكل فيه بعض مشايخنا بأن حكم العقل بحسن الانقياد لما لم يكن إلزاميا فهو لا يوجب رفع اليد عن ظهور الأوامر الشرعية في المولوية.
وكأنه لان حكم العقل بحسن الاحتياط قد لا يكون موجبا لانبعاث المكلف ، ويكون الأمر الشرعي المولوي موجبا له ، فلا يكون لاغيا.
وهذا بخلاف أوامر الطاعة فقد ذكر أنه يمتنع حملها على المولوية ، للزوم لغويتها وإن لم نقل باستحالة التسلسل ، لأن الأوامر الشرعية لا تقتضي الانبعاث ما لم تنته إلى الإلزام من جهة العقل بجعل وجوب الطاعة ، فلا بد من صرف أوامر الطاعة الشرعية إلى الإرشاد لذلك.
وفيه : أن مجرد عدم محركية الأحكام الشرعية إلا بانتهائها إلى الدافع
__________________
(١) الوسائل ، ج ١٨ باب : ١٢ من أبواب صفات القاضي ح ٩.
(٢) الوسائل ، ج ١٨ باب : ١٢ من أبواب صفات القاضي ح ٢٢.