فقلت له : أخبرني من راى أنه يجعل فيه الميتة ، فقال : أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين؟! إذا علمت أنه ميتة فلا تأكله ، وإن لم تعلم فاشتر وبع وكل. والله إني لاعترض السوق فاشتري بها اللحم والسمن والجبن ، والله ما أظن كلهم يسمون هذه البربر وهذه السودان» (١).
ويناسبه ما تضمن منجزية الشبهة المحصورة ، كالنصوص الواردة في الإناءين المشتبهين (٢) والثوبين المشتبهين (٣) والشاة الموطوءة المشتبهة في الغنم (٤).
وكيف كان ، فلا مجال للخروج عما عرفت من القاعدة ، ولو ورد ما ينافيها لزم طرحه ، أو حمله على رفع فعلية الحكم الواقعي في حال الجهل ، لخصوصية في مورده ، لانحصار الأمر بذلك بعد فرض حجية العلم ذاتا.
وأما توهم : أن العمل بالأصل لا ينافي منجزية العلم الإجمالي لو كان ارتكاب الأطراف تدريجيا ، لعدم العلم بحرمة كل طرف حين ارتكابه ، ليكون تنجزه مانعا من جريان الأصل فيه ، وغاية ما يلزم هو العلم بالمخالفة بعد ارتكاب كلا الطرفين ، ولا محذور فيه ما دام التكليف غير منجز حينها.
فمندفع : بأن المحذور ليس في الارتكاب نفسه بعد فرض الترخيص الظاهري ، بل في نفس الترخيص الظاهري ، لفرض أن الترخيص في تمام الأطراف غير تدريجي ، لدخولها في أدلة الاصول في عرض واحد ، ومن الظاهر منافاة الترخيص الفعلي الظاهري في تمام الأطراف لتنجز التكليف المعلوم بالإجمال المقتضي لحرمة مخالفته القطعية ، فلا بد من الالتزام بعدم فعلية مفاد
__________________
(١) الوسائل ، ج ١٧ ، باب : ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ، ح : ٥.
(٢) الوسائل ، ج ١ ، باب : ٨ من أبواب الماء المطلق ، ح : ٢ و ١٤.
(٣) الوسائل ، ج ٢ ، باب : ٦٤ من أبواب النجاسات ، ح : ١.
(٤) الوسائل ، ج ١٦ ، باب : ٣٠ من أبواب الأطعمة المباحة ، ح : ١ و ٤.