ولا بد في تنجز التكليف عقلا من بيان شرعي ، وإن كان بوجوب الاحتياط ، ومع عدمه فالعبد في سعة من أمره ، يقبح عقابه ومؤاخذته بمجرد الاحتمال.
ومثله ما عن شيخ الطائفة قدّس سرّه من الاستدلال على أن الأصل في الأشياء الحظر ، أو الوقف : بأن العقل يستقل بقبح الإقدام على ما لا يؤمن من مفسدته ، وأنه كالإقدام على ما علم مفسدته.
لاندفاعه : بأن الحكم المذكور إن رجع إلى حكمه بقبح الإقدام على احتمال الضرر ، فهو لا يقتضي احتمال العقاب ، لينافي حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان. وإن رجع إلى التقبيح المستلزم للحكم الشرعي المستتبع للعقاب فهو ممنوع. وقد تقدم في الوجه الأول للاستدلال على حجية مطلق الظن ما ينفع في المقام.
وكيف كان ، فالظاهر أن الحكم المذكور مسلم عند الأخباريين ، وأن نزاعهم في المقام لا يبتني على إنكاره ، بل على دعوى المخرج عنه ، من بيان شرعي وارد عليه ، رافع لموضوعه ، على ما يأتي الكلام فيه.
ومن ثمّ استدل شيخنا الأعظم قدّس سرّه بالإجماع من المجتهدين والأخباريين على أن الحكم في ما لم يرد فيه دليل عقلي أو نقلي على تحريمه من حيث هو ولا من حيث أنه مجهول الحكم هو البراءة ، وعدم العقاب على الفعل.
وإن كان الاستدلال على الأحكام العقلية بالأدلة الشرعية لا مجال له ، إلا أن يكون لمجرد الاستظهار لسوق الأدلة الشرعية مساق الإرشاد للحكم العقلي المذكور.
أو يكون المراد أنه لو فرض التشكيك في الحكم العقلي المذكور أمكن الاستدلال بالأدلة الشرعية على الأصل المذكور ، كأصل شرعي أولي ، فلا يكون مرجع الاجماع إلى قبح العقاب ، ليكون إرشادا لحكم العقل ، بل إلى مجرد تأمين الشارع منه.