وأما الصورة الثانية ، فالظاهر جريان البراءة فيها ، لأن تحقق العنوان وسعة انطباقه مأخوذ في موضوع التكليف ، لا في المكلف به ، ولذا لا يجب السعي لتحقيق العنوان لو كان ممكنا ، فلا يصلح الجعل الشرعي لفعلية التكليف إلا بضميمة انطباق العنوان ، فالشك في مقدار المعنون مستلزم لاجمال التكليف الفعلي وتردده بين الأقل والأكثر ، كسائر موارد الدوران بينهما ، التي عرفت أنه لا مجال فيها لتنجز التكليف بحده الواقعي ، بل لا يتنجز منه الا المتيقن ، وإن كان ارتباطيا.
فلا فرق بين هذه الصورة وما لو كان العموم استغراقيا إلا الارتباطية التي عرفت أنها لا تكون فارقا في جريان البراءة.
بخلاف الصورة الاولى ، لأن التكليف فيها بنفسه يقتضي تحصيل العنوان ، فهو صالح لتنجيزه بحده الواقعي بعد فرض عدم الإجمال فيه وصلوحه للبيان ، نظير : ما لو علم بمقدار المكلف به ، وشك في مقدار المأتي به ، الذي تقدم أنه لا إشكال في لزوم الاحتياط فيه.
ولا يفرق في ما ذكرنا بين الشبهة الوجوبية والتحريمية ، فلو فرض ورود النهي عن الطبيعة بنحو يقتضي ترك مجموع الأفراد ، ولو ارتكب بعضها فلا إطاعة له أصلا جرت البراءة في فردية شيء لها ، للشك في فعلية التكليف وسعته بالإضافة إليه ، خلافا للمحقق الخراساني قدّس سرّه حيث ذكر في بعض تنبيهات البراءة أن اللازم في ذلك الاحتياط.
هذا ، وقد مثل شيخنا الأعظم قدّس سرّه للشبهة الموضوعية في المقام بمثالين :
الأول : ما لو وجب الطهور وهو الفعل الرافع أو المبيح للصلاة ، وشك في جزئية شيء للوضوء أو الغسل.
الثاني : ما لو وجب صوم شهر هلالي ـ وهو ما بين الهلالين ـ فشك في أنه ثلاثون أو ناقص.