أما شيخنا الأستاذ قدّس سرّه فقد بنى على عموم حجيتهما في نفي الثالث مع الاعتراف بما ذكرنا ، فقد سبقنا إلى التنبيه على تقسيم المدلول الالتزامي إلى القسمين ، أعني : ما يكون عليه دلالة مقصوده للمتكلم ، وما لا يكون كذلك ، بل يستفاد من الكلام بمحض ملازمته لمضمونه ، وحكم بتبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية في السقوط عن الحجية في الثاني ، وفي الأول أيضا إذا لم تكن الدلالة الالتزامية حجة بنفسها ، لكون اللازم أمرا حدسيا لا يرجع فيه للمتكلم ، كما لو شهدت البينة بالملاقاة التي هي سبب النجاسة ، فإنه لو فرض قصد الشاهدين الإخبار عن النجاسة لا تقبل شهادتهما بها ، لعدم حجيتها في الأحكام الشرعية ، وإنما يا بني عليها المشهود عنده ـ في فرض ثبوت الملازمة عنده باجتهاد أو تقليد ـ بتبع البناء على موضوعها ـ وهو الملاقاة ـ للتلازم بين التعبد بالموضوع والتعبد بالحكم ، فمع معارضة البينة على الملاقاة بالبينة النافية لها وسقوطها عن الحجية في إثبات الملاقاة لا مجال للبناء على النجاسة ، لعدم إحراز موضوعها.
أما إذا كان قول المتكلم مقبولا في اللازم ، وكان اللازم من القسم الأول ـ وهو الذي تكون عليه دلالة التزامية مقصودة للمتكلم ـ فقد ذكر قدّس سرّه أن المتعين التفكيك بين الدلالة الالتزامية والمطابقية في السقوط عن الحجية ، نظير ما سبق منا ، وجعل من ذلك دلالة النصين المتعارضين على نفي الثالث اللازم لثبوت كل من الحكمين اللذين تعرضا لهما بمدلولهما المطابقي لإمكان قصد الإمام عليه السّلام من بيان الحكم نفي غيره ، فيكون له دلالة التزامية مقصودة ، وحيث كانت الدلالة المذكورة حجة في نفسها لقبول قوله عليه السّلام في اللازم ، تعين عدم سقوطها عن الحجية وإن سقطت الدلالة المطابقية بالمعارضة.
وهذا ، بخلاف تعارض البينتين في الشبهات الموضوعية ، لعدم قبول قول الشاهدين في نفي الحكم الثالث ، فلا يتوجه ما سبق من النقض بعدم بنائهم على حجية الأمارات المتعارضة في الموضوعات في نفي الثالث.