الفتوى بمقتضى حجته ، بل وجب عليه الفتوى بمقتضى حجة العامي. مثلا : لو كانت رواية المرأة حجة في حق النساء دون الرجال ، وورد عموم في رواية الرجل مخصص برواية المرأة ، وجب على المجتهد الرجل العمل في حق نفسه والفتوى للرجال بمقتضى العموم ، والفتوى للنساء بمقتضى الخاص.
ومجرد تعذر الرجوع للحجة على العامي لا يمنع من حجيتها عليه ، لأن المتعذر الرجوع لها بالمباشرة والنظر فيها تفصيلا ، دون الرجوع لها بتوسط المجتهد وأخذ مفادها منه إجمالا ، وهو كاف في صحة جعلها عليه.
ومنه يظهر أن انفراد المجتهد بتعيين الحجج وتشخيصها ليس لاختصاصه بحجيتها ، بل لاختصاصه بالقدرة على معرفتها ، مع عموم الحجية التي يدركها للعامي ، ولذا يفتي له بمؤداها.
وأما الثاني فهو مخالف لظاهر أدلة التخيير ، لظهورها في كون الاختيار وظيفة للمكلف في مقام العمل بالمتعارضين ، لا في مقام الفتوى على طبق أحدهما ، فكما يكون للمجتهد الاختيار في مقام العمل يكون للمقلد. وقيام المجتهد مقام المقلد في الاختيار محتاج إلى دليل مفقود.
وليس هو كقيامه مقامه في الفحص عن الأدلة وتعيينها ، لأن الفحص عن الأدلة لا دخل له بحجيتها ، بل هي حجة في حق الفاحص عنها وغيره ، ولا أثر للفحص إلا إثبات موضوع الحجية ، وتعذر الإثبات على العامي يقضي باتكاله على المجتهد فيه ، بخلاف التخيير في المقام ، حيث هو دخيل في حجية الخبر المختار ثبوتا.
ودعوى : أن التقليد مختص بالأحكام الفرعية ، لا بمقدمات استنباطها من المسائل الاصولية واللغوية وغيرها ، والتخيير حكم اصولي فلا تقليد فيه ، ولا في تنقيح موضوعه وهو التعارض.
ممنوعة ، لعموم أدلة التقليد من السيرة العقلائية الارتكازية وغيرها.