الخراساني قدّس سرّه في الكفاية.
أقول : التأمل في موارد اطلاق الاجتهاد في الصدر الأول في النصوص الواردة عن الأئمة عليهم السّلام وغيرها مما ورد عن العامة في كلماتهم ورواياتهم شاهد بأن الأصل له العامة ، وأن مرادهم منه خصوص إعمال الرأي بالقياس والاستحسان ونحوهما للوصول للحكم الواقعي ، في مقابل أخذه من الكتاب والسنة ونحوهما من الأدلة التعبدية ، فضلا عن معرفة الوظيفة الظاهرية ، خصوصا العقلية.
وهو المناسب للتعريف الأول ، وللمعنى اللغوي أيضا ، للزوم استفراغ الوسع في طلب الحكم والوصول إليه عند من يعتمد عليه.
كما قد يناسبه أيضا ما هو المعلوم من طريقة كثير من العامة من الاعتماد على ذلك ، بل قد يصدر من بعض أصحابنا كالفاضلين وغيرهما.
ولعله لذا شنع الاخباريون على الاجتهاد ووقفوا منه الموقف المعلوم ، حتى عقد في الوسائل بابا (١) ضمنها ما يزيد على خمسين حديثا في الردع عنه وعن الرأي والقياس ونحوها من الاستنباطات الظنية في الأحكام الشرعية.
ولذا ذكر شيخنا الأستاذ قدّس سرّه أن الأولى تغيير هذا العنوان الذي سبب الفتنة بين الطائفة المحقة وشق صفوفها ووقوع الفرقة بين علمائها فضلا عن عوامها.
لكن ذلك ناشئ عن الجمود على ظاهر لفظ الاجتهاد من دون نظر إلى سيرة الأصحاب وتصريحاتهم في مباحثهم الكلامية والأصولية والفقهية ، حيث لا إشكال في عدم بنائهم على التعويل على الاستنباطات الظنية ، بل على الحجج المعتبرة شرعية كانت أو عقلية ، وأن مرادهم من الاجتهاد هو تشخيص الوظيفة التي يترتب عليها العمل اعتمادا عليها.
وذكرهم لبعض الوجوه الاستحسانية في الاستدلال على الأحكام
__________________
(١) هو الباب السادس من أبواب صفات القاضي ، ج : ١٨.