نعم ، لو كان موضوع الحجية هو ظنونه وإدراكاته للحكم الواقعي أمكن الاستصحاب ، لإمكان بقائها بعد الموت ولو بمرتبة أقوى.
إذ فيه : ـ مع ابتنائه على أمر في الميت مجهول لنا ، وعدم وروده فيما إذا أفتى المجتهد بالحكم الواقعي قاطعا به بسبب نظره في الأدلة ـ أن ذلك إنما يتم لو كان موضوع الحجية هو الرأي ببقائه ، أما لو كان هو الرأي بحدوثه فتبدله بالعلم بالحكم الواقعي لا يمنع من استصحاب الحجية له ، لوحدة الموضوع وعدم ارتفاعه.
مع أن ذلك مبني على أن وظيفته المفتي تشخيص الوظيفة الظاهرية الثابتة في حقه ، أما بناء على ما سبق في آخر مباحث الاجتهاد وغيرها من أن وظيفة تشخيص الوظيفة الظاهرية الثابتة في حق العامي بمقتضى الأدلة ، فانكشاف الحكم الواقعي للمجتهد لا ينافي حصول القطع له بالحكم الظاهري الثابت في حق العامي بسبب عدم تيسر العلم بالحكم الواقعي له.
ثانيهما : أن القدر المتيقن من حجية رأي المفتي في حق العامي حين حدوثه هو حجيته في الوقائع الحاصلة حين حياته ، لا مطلقا بنحو يعم الوقائع المتأخرة عنها ، لعدم صحة انتزاع الحجية إلا بلحاظ مقام العمل ، فمع عدم الابتلاء بالواقعة ، لعدم تحقق موضوع الحكم فيها بعد لا يصح انتزاع الحجية بالإضافة إليها.
وليست حجيته بنحو الإطلاق إلا بنحو القضية الحقيقية التعليقية الراجعة إلى إناطة الحجية الفعلية في كل واقعة بفعليتها ، فلا تكون حجيته في الوقائع المتأخرة إلا تعليقية ، فيقال : كان رأي المفتي حجة في هذه الواقعة لو تحققت وتم موضوع الحكم فيها ، وقد سبق عدم جريان الاستصحاب في القضايا التعليقية.
ويندفع : بأن المرتكز عرفا كون الحجية من الامور البسيطة العارضة للرأي