العرفي بين الظهورين ، ولا مخالفا لظهوره اللفظي ، ليكون الظهور المذكور طرفا للمعارضة مع الظهورين المفروض تعارضهما في المقام ويقع الكلام في تعيين الأقوى من الظهورات المذكورة ـ كما يظهر من شيخنا الأعظم قدّس سرّه وغيره في مسألة دوران الأمر بين النسخ والتخصيص ـ بل لا دافع لاحتمال النسخ إلا الأصل ، الذي لا ينهض برفع اليد عن ظهور كل من الكلامين في إرادة مضمونه ، فلا تصل النوبة للجمع العرفي.
لكن البناء فيها على النسخ ـ مع بعده في نفسه ، لاستلزامه كثرة النسخ ، ومن المعلوم قلته ، خصوصا من الأئمة عليهم السّلام بناء على ما هو الظاهر من إمكانه منهم (١) ـ مستلزم لاضطراب نظام الفقه القائم وتأسيس فقه جديد ، إذ كثيرا ما يكون الظهور الأقوى سابقا زمانا على الظهور الأضعف ، فلو بني على النسخ لزم البناء على مقتضى الظهور الأضعف لنسخ الأقوى به ، ولو فرض الجهل بالتاريخ لزم التوقف عنهما معا ، للعلم الإجمالي بنسخ أحدهما بالآخر ، ولا يظهر منهم البناء على ذلك ، بل دأبهم العمل بالأظهر مطلقا وتنزيل الأضعف عليه للجمع العرفي بينهما ، ولا يذكر النسخ إلا في نادر من كلماتهم احتمالا لتوجيه النصوص التي يا بنى على إهمالها.
وقد حاول بعض الأعاظم قدّس سرّه توجيه سيرتهم المشار إليها في مسألة دوران الأمر بين النسخ والتخصيص بعدم جريان أصالة العموم في نفسها بسبب العثور على الخاص ، لصلوح الخاص لأن يكون بيانا للعام وتخصيصا له ، سواء كان متقدما أم متأخرا ، إذ تقديم البيان على وقت الحاجة ليس قبيحا ذاتا ، ويرتفع قبح تأخره عنه بوجود مصلحة مزاحمة للمصلحة الأولية المقتضية لتعجيله.
وفيه : أن المانع من جريان أصالة العموم مطلقا ليس هو مطلق البيان ولو
__________________
(١) بمعنى تحققه منه تعالى في عصرهم وانما ينسب لهم بلحاظ علمهم به وتبليغهم بالحكم الناسخ ، كما هو الحال في نسبته للنبي صلّى الله عليه وآله.