يقتضي في الأول تخصيص العام بكلا الخاصين وإن كان بينهما عموم من وجه ، فيخرج أفرادهما على تداخلها عن حكمه ، ويبقى حجة في الباقي ، فلا يجب الا إكرام العالم غير الفاسق الذي ينفع بعلمه.
ويقتضي في الثاني العمل بالخاص في مورده ، وفي بقية الموارد طرح العامين معا والرجوع للأصل أو التخيير بينهما على الكلام في حكم التعارض.
أما ملاحظة النسبة بين الدليلين بلحاظ ما يكون كل منهما حجة فيه من مدلوله ، فهو يقتضي في الأول ملاحظة النسبة بين أحد الخاصين والعام بعد تحكيم أحد الخاصين عليه ، وقصره على غير مورده ، حيث تكون النسبة العموم من وجه ، وإن كانت النسبة بينهما العموم المطلق بالنظر لمدلول العام بنفسه ، وفي الثاني تخصيص العام المخالف للخاص به ، ثم تخصيص العام الآخر بما يبقى العام المخصّص حجة فيه بعد التخصيص ، لأنه يكون أخص بعد التخصيص ، وإن كان مباينا له في نفسه.
هذا ، وحيث كان مبنى الكلام في انقلاب النسبة على نحو من الجمع العرفي بين الأدلة المتعارضة بدوا لاستكشاف مراد المتكلم منها ، فهو لا يختص بالعام والخاص ، وإن كانت أمثلتهم تدور عليهما ، بل يجري في غيرهما من الظهورات المتعارضة ، كالمطلق والمقيد والمفاهيم وغيرها. مثلا : إذا ورد : أكرم زيدا إن حج ، وورد : لا يجب إكرام الشخص لحجه ، وفرض دوران الأمر في الجمع بينهما بين تخصيص الثاني بالأول ، وحمل الأول على الاستحباب بقرينة الثاني من دون ترجيح لأحد الوجهين ، نظير العامين من وجه ، حيث يتردد الأمر في حمل كل منهما على الآخر ، فبالعثور على دليل مرخص في ترك إكرام زيد عند حجه يرتفع التردد المذكور ويتعين الثاني على القول بانقلاب النسبة ، لصلوح الدليل المذكور للقرينية على حمل الأول على الاستحباب ، فلا يكون حجة في الوجوب ، كي ينافي العموم المذكور ، ويتردد في كيفية الجمع بينهما ،