بعده لا يفكر بالجانب الذاتي في شخصه باعتبار أن إخلاصه للنبوة أو للعلم يؤدي به إلى أن يطلب إرسال ابنه نبيا من بعده أو لتهيئة عالم ، تماما كما هو مفاد الحديث الشريف : «العلماء ورثة الأنبياء» (١) مما يوحي بأن القضية ليست قضية شخصية فيهم ، بل هي مسألة امتداد العلم الذي بلغوه. أما احتمال أن يكون زكريا قد طلب من ربه امتداد النبوة أو العلم في عقبه ، فإن سياق الآيات لا ينسجم معه ، لأن الفكرة قد انطلقت من رؤيته مريم في صلاحها وعبادتها وتقواها ، الأمر الذي جعله يفكر بالولد الصالح الطيب الذي عبّر عنه بالذرية الطيبة ، أو الرضيّ ، إذ لا معنى للحديث عن صفة الرضيّ إذا كان المطلوب في الكلمة السابقة (وَلِيًّا) النبي أو العالم ، لأن مسألة الرضيّ هي مسألة تختزنها الصفتان ، فلا معنى لاعتبارها طلبا آخر.
ومما يؤيد هذه الملاحظة في إرادة الوارث المالي من حيث هو كناية عن الولد ، أن هذه الآية وردت في احتجاج السيدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام على أبي بكر عند ما منعها إرثها في فدك على أساس «أن الأنبياء لا يورثون» وذلك في ما ذكره صاحب الاحتجاج ، قال : روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه عليهمالسلام أنه لما أجمع أبو بكر على منع فاطمة فدك وبلغها ذلك جاءت إليه وقالت له : «يا ابن أبي قحافة ، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا. أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) ، وقال : في ما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريا : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) (٢). وجاء في الميزان نقلا عن الدر المنثور عن الفاريابي عن ابن عباس قال : «كان زكريا لا يولد ، فسأل ربه فقال : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) قال : يرثني مالي ،
__________________
(١) الكليني ، الكافي ، ج : ١ ، ص : ٣٢ ، رواية : ٢.
(٢) نقلا عن : الطباطبائي ، محمد حسين ، الميزان في تفسير القرآن ، مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ، ط : ١ ، ١٤١١ ه ـ ١٩٩١ م ، ج : ١٤ ، ص : ٢٢.