عند إدراك الملائم فهل يمكن حصول ادراك الملائم من غير حصول هذه الحالة؟ هذا أيضا مما لم يظهر أحد طرفيه بالبرهان ، بل فيه شك وهو أنّ الرطوبة محسوسة ، فسوء المزاج الرطب محسوس ، وهو غير مؤلم. ولو سلم فالتلازم بين الشيئين لا يقتضي الاتحاد ، بل ينافيه. وإذا كان سوء المزاج الرطب غير مؤلم ، وهو محسوس ، لم يكن ادراك الأمر الغير الطبيعي هو نفس الألم.
ومن احتج على إبطال كون اللذة ادراك الملائم ، والألم ادراك المنافي ، بأنّ «المريض يلتذّ بالحلاوة مع أنّها لا تلائمه ، بل تمرضه ، وينفر عن الأدوية وهي تلائمه» ، فغير وارد ؛ لأنّ المريض إنّما يستضر بما يستلذه لا من حيث إنّه أدرك ما يلائمه ، بل إما لأنّ في بدنه أخلاطا رديّة يستحيل إليها ما يتناوله ، فيستضر بكون ذلك في بدنه ، حتى أنّه لو حصل زيادة هذا الخلط في بدنه من غير ادراك ما استلذه لاستضرّ به. وإمّا لأنّ الأعضاء تضعف عن هضم ما تناوله فيستحيل إلى خلط رديء ، حتى لو حصل ذلك من دون ادراك ما يشتهيه لاستضرّ به.
ولأنّ المريض لو أدرك ما ينفر طبعه عن الأدوية ولم يعرض أمر آخر لم ينتفع ، والأمور العارضة هي إمّا أن تخرج الدواء خلطا مؤذيا أو تحيله إلى خلط جيد فتغذوه أو تقوى بعض الأعضاء. فلهذه الأمور يحصل الانتفاع ، لا لأنّه أدرك ما ينفر عنه (١).
وأمّا المعتزلة : فقولهم قريب من قول الفلاسفة لأنّهم قالوا : المدرك إن كان متعلق الشهوة كالحكة في حق الأجرب كان ادراكه لذة (٢). وإن كان متعلق النفرة كالحكة في حق السليم كان ادراكه ألما. فجعلوا الألم واللذة من نوع واحد ، وإنّما
__________________
(١) راجع المباحث المشرقية ١ : ٥١٤ ـ ٥١٥.
(٢) قال القاضي عبد الجبار : «أما اللذة : فكأن يحك أحد جرب الغير ، أو يضع لقمة شهية في فمه ، أو يخلع عليه خلعة نفيسة» شرح الأصول الخمسة : ٨٠. راجع أيضا تلخيص المحصل : ١٧١.