فإنّ كلّ عاقل يعلم في كلّ واحد من الأجسام المشاهدة كونه حجما ومتحيزا إلى غيرهما من الألفاظ ، ولا يخطر بباله ما ذكرتم من الأبعاد والتقاطع والزاوية مطلقا فضلا عن القائمة ، فإنّ مثل هذه الأشياء من الأمور الغامضة التي لا يدركها إلّا الخواص.
الوجه الخامس : إذا قلنا الجسم ما يكون كذا ، فإن كان المقصود أنّ المراد من لفظ الجسم كذا لم يعرف منه أنّ الجسم المشاهد هل هو كذلك ، وحاصله يرجع إلى تفسير اللفظ. وإن كان المراد أنّ الحقيقة المشار إليها بالمشاهدة موصوفة بهذه الصفة ، كان ذلك دعوى لا بدّ في إثباتها من دليل. ولأنّ الدعوى لا يمكن إلّا بعد تصور المحكوم عليه ، فقولنا : الجسم ما يمكن فرض الأبعاد الثلاثة فيه متوقف على تصور الجسم فلو استفدنا تصور الجسم منه ، دار.
لا يقال : الجسم متصور بالبديهة لكن لا تجتمع ذاتياته ، وهذا التعريف يفيد كمال التصور.
لأنّا نقول : هذا التعريف رسم لا يفيد كمال التصور.
الوجه السادس : الجسم عبارة عن مجموع الهيولى والصورة ، ولا يجوز أن يكون للصورة مدخل في قابلية الأبعاد ، لأنّ الذي له القبول ويتحقّق به الإمكان هو الهيولى ، وأمّا الصورة (١) فإنّ حقيقتها هي : الجزء الذي يتحقّق به الحصول والوجود. فإذن الصورة يستحيل أن تكون جزءا من القابل من حيث هو قابل. فإذن القابل للأبعاد الثلاثة هو الهيولى. غاية ما في الباب أن يقال : قابلية الهيولى للأبعاد تتوقف على قابليتها للصورة الجسمية أوّلا ، ولكن ذلك لا يقتضي أن يكون للصورة مدخل في القابلية.
__________________
(١) ج : «الصور».