فذلك باطل ؛ لأنّ من حقّ هذه الأعراض أن تخالف الأجسام وأن يخالف بعضها بعضا ، ولو اتّفقت في التحيز لتماثلت. ولأنّ المتحيزات متساوية في ماهية التحيز ومتباينة بألوانها وروائحها وطعومها ، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز ، فالتحيز ماهية مغايرة لهذه الصفات. ولأنّ هذه الأعراض لا يعقل تحيزها بانفرادها ولا تعقل إلّا قائمة بغيرها.
وإن قالوا بتحيزها عند الاجتماع على ما يجوّزه حفص الفرد وضرار من قلب الجنس ، فباطل ؛ لأنّه لو جاز أن تجتمع هذه الأعراض فتصير متحيزة بعد أن لم تكن كذلك وتنقلب ذواتها ، جاز في هذه الأجسام إذا اجتمعت أن تزول بتحيزها ، وإن كانت من قبل متحيزة بأن تنقلب أعيانها. ولأنّ المتحيز إذا كان استحقاق الذات له لما هي عليه بشرط الوجود فيجب رجوعه إلى كلّ جزء ؛ لأنّ صفة الذات إنّما ترجع إلى الآحاد دون الحمل ، فكيف توقف حصول هذه الصفة على الانضمام؟
وأيضا قولهم : «إذا اجتمعت صار جسما» ، إن أرادوا بالاجتماع المجاورة ، فباطل ؛ لأنّها إنّما تصحّ في المتحيز ، فيجب أن يتقدّم تحيز هذه الأعراض حتى يحكم عليها بالمجاورة لا أن تجعل التجاور سببا لتحيزها. وإن أرادوا بالاجتماع حلولها في محل واحد متحيز ، ومعلوم أنّ الحلول لا يصحّ أن يصير سببا للتحيز ، على أنّ المتحيز يمتنع عليه الحلول. وإن أرادوا بذلك حلول بعض الأعراض في بعض ، فباطل ؛ لأنّ كون بعضها محلا إنّما يصحّ بعد ثبوت التحيز ، فكيف يقف تحيزه على حلول غيره فيه؟ فإنّه يقتضي تعلّق كلّ واحد من الأمرين بصاحبه.
قال أفضل المحقّقين : «هذا مذهب غير معقول ، إن كان المراد بهذه الأجزاء التي يتركب منها الجسم أعراضا. وأمّا إن كان المراد أنّها جواهر مختلفة يلتئم منها الجسم ، تكون الأجسام متشاركة في التحيز ، وتباينها في هذه الأجزاء لا يدل على