الأمكنة من المكان الذي له. فالوضع السابق الحاصل بسبب الصورة السابقة علة لأن يحصل للمادة وضع بسبب الصورة اللاحقة. وهذا إنّما يستمر لو كان قبل كلّ صورة صورة ، وأمّا لو انتهت إلى صورة غير مسبوقة بصورة أخرى لم يكن هناك ما يقتضي وقوع وضع خاص فيستحيل وقوعه لكنّك ستعلم إن شاء الله تعالى تناهي الحوادث.
وأمّا الثاني : وهو أن تكون الأولوية حصلت بعد أن لحقت الصورة بالهيولى فهو باطل أيضا ، لأنّ الهيولى متساوية النسبة إلى جميع المواضع التي تقتضيها الصورة التي تلحقها فهي إذن تكون متساوية النسبة إليها بحسب ذاتها وبحسب الصورة ، وحينئذ يستحيل حصولها في بعضها ، فإنّ الصورة النوعية وإن اقتضت مكانا واحدا لكن تخصيصها بجزئيات ذلك المكان يستدعي سببا.
لا يقال : لم لا يجوز أن تتخصص الهيولى بموضع جزئي؟ كما لو كانت في صورة توجب لها وصفا معينا ، كالجزء من الهواء في موضعه الطبيعي إذا صار ماء ، فإنّه يتخصص بموضع جزئي ويقصد الموضع الطبيعي للماء لوجود الصورة المائية فيه ، وإنّما لم يقصد أي جزء اتّفق منه بل قصد الجزء الذي هو أقرب أجزاء الموضع المائيّ إلى الموضع الأوّل ، فتخصص ذلك الموضع الجزئي به بسبب الوضع السابق ، فهنا سببان : أحدهما الصورة المائية وهو سبب لقصد الموضع المائيّ مطلقا. والثاني الوضع السابق وهو سبب لتخصص الموضع الجزئي منه بالقصد.
لأنّا نقول : هذا غير ممكن هنا ، لأنّ الهيولى فرضناها مجرّدة عن جميع الصور والأوضاع. ولمّا بطل القسمان ظهر امتناع الفرض الأوّل ، وهو حلول الصورة الجسمية في الهيولى المجرّدة ، فيمتنع حلول الصورة في الهيولى إلّا على سبيل البدل بأن يكون حلول اللاحقة عقيب زوال سابقه.
لا يقال : الجسم العنصري لا يجب اتصافه بإحدى الصور النوعية بعينها