وإن لم يقتض الاستناد إليه لم يكن مؤثرا فيها ، لأنّ التأثير مترتب على الاحتياج.
الوجه الثالث : معنى الجسم هو الحاصل في الحيز ، والأجسام بأسرها متساوية فيه ، فتكون متساوية في الماهية.
الوجه الرابع : الحدّ الدال على ماهية الجسم ـ على اختلاف الأقوال فيه (١) ـ واحد عند كلّ قوم بغير وقوع قسمة فيه ، فلهذا اتّفق الكل على تماثله ، فإنّ المختلفات إذا وقعت في حدّ واحد وجمعت فيه وقع فيه التقسيم ضرورة ، كقولنا : الجسم إمّا القابل للأبعاد أو المشتمل عليها ، ويراد بهما الطبيعي والتعليمي.
والاعتراض على الوجه الأوّل من وجوه :
الأوّل : لا نسلم أنّ الأجسام مبصرة بالذات ، فإنّ الحكماء اتّفقوا على أنّ المبصر بالذات إنّما هو الضوء واللون ، وغيرهما يرى بواسطتهما.
الثاني : سلمنا أنّها مبصرة ، لكن الحكم بالاختلاف والمساواة راجع إلى العقل ومستند إليه لا إلى البصر.
الثالث : لم قلتم : إنّا نبصر حقيقة الجسم من جميع ذاتياته؟
الرابع : لو سلمنا صحّة هذه الدلالة فإنّما تصحّ في حقّ من تصفّح جميع الأجسام وشاهد التباس كلّ واحد منها بكلّ ما عداها ، فأمّا قبل ذلك فليس إلّا الرجم بالظن.
وعلى الوجه الثاني : بمنع قبول كلّ جسم لكل عرض ، فجاز أن يكون بعض الأجسام لا يقبل من الأعراض إلّا الكون. ولم يثبت أنّ جرم النار قابل للكثافة الأرضية ، وأنّ جرم الفلك قابل للصفات المزاجية. وقصة إبراهيم عليهالسلام جزئية لا تدل
__________________
(١) حيث حده الأوائل بأنّه الجوهر القابل للأبعاد ، وحده المتكلمون بأنّه الطويل العريض العميق.