الاقوال الجميلة انما دعاهم الى القول بافضلية المتقدمين عليه في الخلافة تقديمهم عليه فيها لاعتقادهم ان الافضلية هي سبب التقديم وهذا الكلام مؤيد لما قلناه من انه قد ارتكز في العقول قبح تأخير الافضل عن المفضول وذلك مبطل لما يقول ولهذا كان من قدم الثلاثة على امير المؤمنين (عليهالسلام) مع اشتهار فضائله وشياع مناقبه ووفور مآثره وتواتر اقوال النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في تفضيله وتبجيله اعتمادا على فعل قوم من الناس ظهرت منهم مخالفة النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في مواضع كثيرة مخالفا لمذهبه ومكابرا لمقتضى عقله فلا عذر له عند الله يوم المئاب ولا حجة له عند الحساب لاكتفائه بالتقليد عن النظر مع وضوح الامر وصراحته.
ثم ما ادرى أي مصلحة في التكليف اقتضت تقديم المفضول على الافضل (١) والتكليف دائر مدار المصلحة وهي عندنا وعنده عقلية والعقل ينكر تقديم المفضول ويقبحه؟ فاين هذه المصلحة؟ ما هذا الّا تناقض في القول وتشبث بما لا يسمن ولا يغني من جوع فبطل ما قال وصح ما قلنا من وجوب تقديم الافضل على المفضول.
وبعد فاي عاقل يجوّز لنفسه ترك الاخذ بقول رجل فاضل متقن للاحكام محرز لادلة المسائل العلمية والعملية ويأخذ بقول رجل قاصر العلم ضعيف الاتقان؟ او يقدم لقيادة الجيوش رجلا خوارا لا يصبر عند اللقاء ولا يثبت عند منازلة الاعداء؟ بل يفر ويولى الدبر ويؤخر عن ذلك رجلا مقداما صبورا عند الهزاهز وقورا عند الشدائد قويا على محاولة الشجعان بصيرا في مطاعنة الاقران عارفا بقيادة الجيوش وسياسة الامور كرارا غير فرار ويقدم في المشورة في الامور المهمة رجلا جامدا القريحة متردد الذهن ضعيف العزم على
__________________
(١) يشير الى قول ابن ابي الحديد في مقدمة شرحه على نهج البلاغة : «وقدم المفضول على الأفضل لمصلحة اقتضاها التكليف».